كتاب تذكير الأمة المنصورة بالسنن المهجورة
الاهتمام بأمر الآخرة:
ففي هذا الزمان الذي انتشرت فيه الشبهات و الشهوات و انصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض و السماوات كان لابد من وقفة صادقة من قبل أن تأتيهم الساعة بغتة و هم يخصمون فلا يستطيعون توصية و لا إلا أملهم يرجعون.
لقد غاب ذكر الآخرة عن قلوب أكثر الناس فتاهوا في دروب الحياة المتشابكة و تنافسوا فيها فخسروا دنياهم و أخراهم
و لذلك جاءت وصية الحبيب صلى الله عليه و سلم بأن نجعل الآخرة همنا لنفوز في الدنيا و الآخرة فقال صلى الله عليه و سلم (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة, و من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله, و لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)
(صحيح الجامع: 6510)
صلة الرحم:
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))
(النساء 1)
و قال تعالى:
((وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ))
(الرعد 21)
- و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه, و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليصل رحمه, و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)
(متفق عليه)
-و عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم, فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم أما ترضين أن أثل من وصلك و أقطع من قطعك؟ قالت: بلى, قال: فذلك لك) ثم قال صلى الله عليه و سلم: إقرءوا إن شئتم:
((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ<22>أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ <23>))
(محمد 22, 23)
(و الحديث متفق عليه)
- و عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (مَن أحب أن يُبسط له في الرزق و ينسأ له في أثره فليصل رحمه
(متفق عليه)
-و عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (ليس الواصل بالمكافىء و لكن الواصل من الذي إذا قطعت رحمه وصلها)
(أخرجه البخاري)
فأين صلة الرحم في هذا الزمان الذي انتشرت فيه قطيعة الأرحام و عقوق اوالدين
و لا حول و لا قوة إلا بالله
تبسمك في وجه أخيك صدقة
يظن بعض الناس أن المسلم الملتزم لابد أن يكون عابس الوجه ... و هذا خطأ شديد فالمسلم لابد أن يرفع شعار الرحمة و البسمة ليعرف الناس أن الإسلام يدعو إلى الرحمة و حسن الخلق
قال تعالى
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))
(آل عمران: 159)
و قال تعالى
((.....وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )) (الحجر: 88)
و قال صلى الله عليه و سلم: (اتقوا النار و لو يشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)
(متفق عليه)
و قال صلى الله عليه و سلم: (لا تقرنَّ من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقِ) (أخرجه مسلم)
و قال صلى الله عليه و سلم: (تَبَسُّمَكَ في وجه أخيك صدقة.......)
(صحيح الجامع: 2908)
فياليتنا نرى البسمة مرة أخرى في وجوه إخواننا
النصيحة
قال صلى الله عليه و سلم: (الدين النصيحة, قلنا لِمَنْ؟ قال: لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين وعامتهم)
(رواه مسلم)
و عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و النصح لكل مسلم
(متفق عليه)
و عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(متفق عليه)
فأين مَنْ يقدم النصيحة لإخوانه في هذا الزمان؟
الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات
قال تعالى
((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ))
(الحشر: 10)
و قال تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم
((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )) (محمد: 19)
و قال صلى الله عليه و سلم: (من استغفر للمؤمنين و المؤمنات كتب الله له بكل مؤمنٍ و مؤمنةٍ حسنة)
(صحيح الجامع: 6026)
فياليتنا نتعايش بقلوبنا مع هذا التوجيه النبوي الكريم فنستغفر للمؤمنين و المؤمنات (الأحياء منهم و الأموات) لنفوز بهذا الأجر العظيم و ليُسَخِّر الله من يستغفر لنا بعد موتنا
إفشاء السلام
قال تعالى
((وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا )) (النساء: 86)
و عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال (تُطْعِم الطعام, و تقرأ السلام على مَنْ عرفت و مَنْ لم تعرف)
(متفق عليه)
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, و لا تؤمنوا حتى تحابوا, أَوَ لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أُفشوا السلام بينكم)
(رواه مسلم)
و عن أبي يوسف عبد الله ابن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يا أيها الناس افشوا السلام و أطعموا الطعام و صِلوا الأرحام و صلّوا و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)
(صحيح الجامع: 7865)
فأين إفشاء السلام بين المسلمين؟
تالله لقد أصبحنا نعيش زماناً لا يُلقِى فيه المسلم على أخيه السلام إلا لمصلحة دنيوية-إلا من رحم اللهُ
بل نجد أحياناً مسلماً يمر بجوار أخيه فيسلم عليه فلا يرد عليه السلام-و لا حول و لا قوة إلا بالله
بل إن بعضهم لا يسلم إلا على مَنْ يعرف-و هذا و الله من أشراط الساعة الصغرى-فقد قال صلى الله عليه و سلم: (إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة)
(رواه أحمد بإسناد صحيح)
قضاء حوائج المسلمين
قال صلى الله عليه و سلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يُسلمه و من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)
(متفق عليه)
فهل يعمل كل مسلم بتلك الوصية النبوية المباركة أم أن أكثر الناس لا ينشغل إلا بنفسه و لسان حاله يقول: نفسي نفسي؟!!!
أين الذين كانوا يمشون في حوائج إخوانهم رغبةً فيما عند الله؟
أين هذا الصنف الكريم الذي كان الله عزوجل يستعملهم لإدخال السرور و السعادة على المسلمين؟
نسأل الله عزوجل أن يؤلف بين قلوب المسلمين و أن يجمع شتاتهم و أن يجعلهم جميعاً كالجسد الواحد و إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى.
ستر عورات المسلمين
قال تعالى
((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ))
(النور: 19)
و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا يَسْتُرُ عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستَرَهُ الله يوم القيامة)
(رواه مسلم)
إدخال السرور على المؤمنين
أخي الحبيب: هل تذكرت يوماً أن هناك شيئٌ يُدخل السرور و البهجة و السعادة على أخيك فجئت به لأخيك من أجل أن تُدخل السعادة على قلبه؟...إن هذا من أفضل الأعمال كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه و سلم
قال صلى الله عليه و سلم: (من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تُنَفِّس له كربة)
(صحيح الجامع: ح5897)
دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب
أين القلوب التي اجتمعت على الحب في الله..أين الأُخوة الصادقة..أين المحبة التي لا يشوبها شيء من المصالح و المنافع الدنيوية..أين أصحاب القلوب التقية النقية الذين يحبون إخوانهم لله و يحبون لهم الخير كما يحبونه لأنفسهم فيدعون لهم بظهر الغيب فَيُسَخِّر الله عزوجل لهم مَلَكاً كريماً ليدعو لهم
قال صلى الله عليه و سلم: (من دعا لأخيه بظهر الغيب قال المَلَكُ المُوَكَّل به: آمين و لك بمثله)
(رواه مسلم)
لا إله إلا الله
إماطة الأذى عن الطريق
قال صلى الله عليه و سلم: (لقد رأيت رجلا ً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)
(أخرجه مسلم)
و هكذا يكون المسلم صاحب القلب الرحيم الذي يخشى على من حوله أن يصيبهم أي نوع من أنواع الأذى بل و يسارع إليهم بكل معروف و إحسان
توقير الكبير و الرحمة بالصغير
ففي هذا الزمان ضاعت فيه الأخلاق و نُزِعَت فيه الرحمة من قلوب أكثر الناس فإننا لا نكاد نرى من يرحم صغيراً أو يُوَقِّر كبيراً-و لا حول و لا قوة إلا بالله
و قال صلى الله عليه و سلم: (ليس منَّا من لم يُجلَّ كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لِعالِمنا حقه)
(صحيح الجامع: 5443)
و هذه من الأخلاق الإسلامية التي لا نكاد نراها إلا قليلاً و لكن مَنْ لامس الإيمان شغاف قلبه يتعايش مع تلك الأخلاق حباً ووفاءاً
التحلل من المظالم
و هذا الأمر من الواجبات التي غفل عنها أكثر الناس فترى الواحد منهم يظلم مَنْ حوله و هو لا يعلم أن الظلم ظُلُمات يوم القيامة
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (مَنْ كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء قليتحلله منه اليوم, قبل أن لا يكون دينارٌ و لا درهمٌ, إن كان له عمل صالح فليأخذ منه بقدر مظلمته. و إن لم تكن له حسنات, أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه)
(أخرجه البخاري)
و قال صلى الله عليه و سلم: (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تُحمل على الغمام بقول الله: و عزتي و جلالي لأنصرنّك و لو بعد حين)
(صحيح الجامع: 117)
و قال صلى الله عليه و سلم: (اتقوا دعوة المظلوم و إن كان كافراً, فإنه ليس دونها حجاب) (صحيح الجامع: 119)
الشهيد يحبس عن الجنة بدينه
عن جابر بن عبد الله أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: أرأيت إن جاهدت بنفسي و مالي فقتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أدخل الجنة؟ فقال: نعم, فأعاد ذلك مرتين أو ثلاث. قال نعم إن لم يكن عليك دَيْن ليس عندك وفاؤه)
(إسناده حسن. أحمد و البزار)
و قال النبي صلى الله عليه و سلم: (مطل الغني ظلم)
(متفق عليه)
الصلاة على النبي (صلى الله عليه و سلم)
عن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (اتاني جبريل, فقال: يا محمد ! أما يُرضيك أن ربك عزوجل يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحدٌ ثلاثة إلا صليت عليه بها عشراً, و لا يُسلم عليك أحدٌ من أمتك تسليمة غلا سلمت عليه عشراً؟ فقلت: بلى أي رب)
(صحيح الجامع: 71)
و عن أبيّ ابن كعب قال: فبت يا رسول الله: إني أُكثر الصلا عليك, فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قلت: الرُّبع؟ فقال: ما شئت, فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت, فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالثلثين؟ فقال: ما شئت, فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن يُكفى همَّك و يُغفر لك ذنبك)
(السلسلة الصحيحة: 954)
فكم من المسلمين يسمع اسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يصلى عليه...
فهذا و الله هو البخيل الذي وصفه النبي صلى الله عليه و سلم بأنه يبخل بالصلاة عليه, فقد قال صلى الله عليه و سلم: (البخيل من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصلِّ عليَّ)
(صحيح الجامع: 2878)
دعاء السوق
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله و حده لا شريك له, له المُلك, و له الحمد, يُحْيِي و يُميت و هو حيٌّ لا يموت بيده الخير, و هو على كل شيءٍ قدير, كتب الله له ألف ألف حسنة, و محا عنه ألف ألف سيئة, و رفع له ألف ألف درجة, و بنى له بيتاً في الجنة)
(صحيح الجامع: 6231)
و على الرغم من هذا الأجر الجزيل فإنك لا تكاد ترى مسلماً يذكر الله عزوجل في السوق بتلك الكلمات المباركة
عيادة المريض
قال صلى الله عليه و سلم: (من أتى أخاه المسلم عائداً مشى في خِرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة, فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف مَلَك حتى يمسي و إن كان مساءً صلى عليه سبعون ألف مَلَك حتى يصبح)
(السلسة الصحيحة: ح1367)
و مع ذلك الأجر العظيم الذي أخبر عنه الحبيب صلى الله عليه و سلم نجد من يزهد في هذا الخير فإذا سمع أن جاره أو قريبه مريض فإنه لا يسأل عنه و لايزوره و ذلك لانشغاله بالدنيا و حطامها الزائل
الإيثار و المواساة
دخل رجل على هارون الرشيد (رحمه الله) فقال له: أعطني مما أعطاك الله, فقال له هارون: أسأل الله أن يرزقك, فغضب الرجل و قال: أين الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة؟ فقال له هارون: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافاً
نعم و الله لقد ذهب هذا الصنف الكريم المبارك فلم نعد نسمع عن رجل يؤثر أحداً على نفسه-إلا من رحم اللهُ
قال تعالى
((وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (الحشر: 9)
و قال تعالى
((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ))
(الإنسان:
و عن أبي هرريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إني مجهود, فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: و الذي بعثك بالحق ماعندي إلا ماء, ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا و الذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء, فقال صلى الله عليه و سلم: من يضيف هذا الليلة؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله, فانطلق به إلى رَحْلِهِ فقال لمرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و في رواية قال لمرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا, إلا قوت صبياني, قال فَعَلِّلَيهم بشيء و إذا أرادوا العَشاء فَنَوِّميهم و إذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج و أَرِيه أننا نأكل, فقعدوا و أكل الضيف و بَاتا طَاوِيَيْن, فلما أصبح غذا على النبي صلى الله عليه و سلم فقال: لقد عجب الله من صَنِيعِكما بضيفكما الليلة)
(متفق عليه)