شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:40 pm
[size=21]شرح القواعد الحسان
للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
لفضيلة الشيخ:خالد المصلح
مهمه جداً ياإخوان وياأخوات ننصح بقراءتها.
في كيفية تلقي التفسير
كل من سلك طريقاً وعمل عملاً، وأتاه من أبوابه وطرقه الموصلة إليه، فلا بد أن يفلح وينجح، كما قال تعالى:﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾. ([1]) وكلما عظُم المطلوب تأكد هذا الأمر، وتعيّن البحث التام عن أمثل وأحسن الطرق الموصلة إليه، ولا ريب أن ما نحن فيه هو أهم الأمور وأجلها، وأصلها. فاعلم أنّ هذا القرآن العظيم أنزله الله لهداية الخلق وإرشادهم، وأنّه في كل وقت وزمان يرشد إلى أهدى الأمور وأقومها: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.( 2) فعلى النّاس أن يتلقوا معاني([3) كلام الله كما تلقاه الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم). مقدمة هـٰذه القاعدة: الشيخ رحمه الله ذكر مسلكاً عامّاً لتحصيل المقصود في التفسير وفي غيره؛ ولذلك قال: (كل من سلك طريقاً وعمل عملاً) طريقاً علميّاً أو غير علمي، عملاً علميّاً أو غير علمي، (وأتاه من أبوابه وطرقه الموصلة إليه، فلا بد أن يفلح وينجح كما قال تعالى: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾4]) لأن إتيان الأبواب من أبوابها هو أسهل سبيل وأقصر طريق يحصل به المقصود للآتي. فأنت الآن إذا استقبلت بيتاً تريد الدخول إليه، هل الأسهل أن تأتي من النافذة أو من الباب؟ ما فيه إشكال أن الأسهل من الباب.
ولذلك هـٰذه الآية تفيدك مما تفيدك أنك إذا أردت أمراً فاسلك أسهل الطرق الموصلة إلىٰ المقصود، وإياك والتعنت وإتيان الأمور من غير أبوابها، فإنه مشقة وإن حصل لك المقصود.
2-ثم قال: (وكلما عظم المطلوب تأكد هذا الأمر) أي أمر؟ المشار إليه إتيان البيوت من أبوابها؛ أي سلوك أسهل الطرق الموصلة إلىٰ المقصود (وتعيّن البحث التام عن أمثل وأحسن الطرق الموصلة إليه، ولا ريب أن ما نحن فيه هو أهم الأمور وأجلها، وأصلها) فإذا كان كذلك فما الذي ينبغي لنا؟ وما الذي يجب علينا؟ الذي ينبغي أن نطلب في فهم كتاب الله عز وجل وفهم كلامه أسهل الطرق التي يحصل بها مقصودنا، وهو فهم الكتاب والعمل به. قال رحمه الله: (فاعلم أنّ هذا القرآن العظيم أنزله الله لهداية الخلق وإرشادهم، وأنه في كل وقت وزمان ومكان يرشد إلى أهدى الأمور وأقومها: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾([5])). فإذا كان كذلك فلن يحصل للإنسان الهدى الذي في القرآن، ولا الإرشاد، ولا سلوك الطريق الأقوم الذي يهدي إليه القرآن إلا بمعرفة الأسباب والوسائل المحصّلة لذلك، فما هي طريق تحصيل ذلك؟ طريق تحصيل ذلك في قوله رحمه الله: (فعلى الناس أن يتلقوا معاني كلام الله كما تلقاه الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فإنهم إذا قرؤوا عشر آيات، أو أقل أو أكثر، لم يتجاوزوها حتى يعرفوا ما دلت عليه من الإيمان والعلم والعمل، فينزّلونها على الأحوال الواقعة، فيعتقدون ما احتوت عليه من الأخبار، وينقادون لأوامرها ونواهيها، ويُدخلون فيها جميع ما يشاهدون من الحوادث والوقائع الموجودة بهم وبغيرهم، ويحاسِبون أنفسهم: هل هم قائمون بها أو مخلّون؟ وكيف الطريق إلى الثبات على الأمور النافعة، وإيجاد ما نقص منها؟ وكيف التخلّص من الأمور الضارة؟ فيهتدون بعلومه، ويتخلقون بأخلاقه وآدابه، ويعلمون أنه خطاب من عالم الغيب والشّهادة موجه إليهم، ومطالبون بمعرفة معانيه، والعمل بما يقتضيه) . هـٰذا المقطع فيه بيان السّبيل والطريق الذي يحصل به تفسير القرآن -تفسيره العلمي وتفسيره العملي- الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم قال الشيخ رحمه الله: (فعلى النّاس) عموم الناس ممن يرغبون الاهتداء بالقرآن الكريم، وأخصّ الناس في ذلك أهل العلم الذين سلكوا سبيله. (فعلى الناس أن يتلقوا معنى كلام الله كما تلقاه الصحابة) فيسيروا في منهجهم على منهج سلف هـٰذه الأمة الذين هم خير القرون، والذين تولّى تعليمهم وتلقيتهم الكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فإنهم إذا قرؤوا عشر آيات أو أقل أو أكثر لم يتجاوزوها حتى يعرفوا ما دلت عليه من الإيمان والعلم العمل). جاء هـٰذا عن أبي عبد الرحمـٰن السُّلمي قال: كان الذين يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود لا يتجاوزون عشر آيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل، حتى تعلمنا العلم والعمل جميعاً. فحكى أبو عبد الرحمـٰن عن طريق تعليم الصحابة للتابعين، وأنهم كانوا يسيرون هـٰذا المسار في تعليم الأمة؛ ولذلك لما كان أولئك على هـٰذا المنوال وعلى هـٰذا المنهاج وعلى هـٰذا الطريق كانوا خير القرون، وكانوا أفضل الناس بعد الأنبياء؛ لأنهم عرفوا سبيل تحصيل نفع هـٰذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.
يقول: (فينزلونها على الأحوال الواقعة)؛ لأن القرآن جاء في فترة، على أحوال، وهـٰذه الأحوال ليست قاصرة للنص عليها؛ بل النص يشملها ويشمل غيرها، كما سيأتينا في بعض قواعد هـٰذا الكتاب، وأن القرآن لا يُقصر معناه وفهمه على وقت نزوله، أو على الحوادث التي نزل لأجلها؛ بل هو أوسع من ذلك (فينزلونها على الأحوال الواقعة، فيعتقدون ما احتوت عليه الأخبار) المتعلقة بالله عز وجل، والمتعلقة باليوم الآخر، والمتعلقة بما أخبر الله به من الغيب (وينقادون لأوامرها ونواهيها) وهـٰذا من جهة العمل بما تضمنته من الأحكام، (ويدخلون فيها جميع ما يشهدون من الحوادث والوقائع الموجودة بهم وبغيرهم)؛ لأن القرآن أتى بكل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم وأمر دنياهم؛ ولذلك شيخ الإسلام رحمه الله يقول: كل الحوادث مندرجة في النصوص، فبقدر فقه الرجل بالنصوص بقدر استغنائه عن القياس، فإذا قلّ فقهه في النصوص اشتدت حاجته إلىٰ القياس، ولو أنه عمق النظر وأمعن الفهم لحصّل الأحكام من النصوص، فمن أعوزته النصوص لجأ إلىٰ القياس ليصل إلىٰ الأحكام. فالنصوص شاملة وحاوية ومستوعبة لجميع ما يحتاجه الناس في أمر دينهم ومعاشهم، وهـٰذا أمر يتبيّن بالنظر إلىٰ كلام العلماء الذين يستنبطون الأحكام المستجدّة من النصوص الشّرعية، وبه يعلم الإنسان صدق هـٰذه القاعدة؛ ولكن الناس في هـٰذا درجات: منهم من يمن الله عليه بالفهم، فيتبين له مأخذ الحكم من الآية أو من الحديث. ومنهم من يقصر عن ذلك، فيخفى عليه. المهم أن الأمر كما قال المؤلف رحمه الله: (يدخلون فيها جميع ما يشهدون من الحوادث والوقائع الموجودة بهم وبغيرهم) في كل زمان وفي كل مكان، قال: (ويحاسِبون أنفسهم: هل هم قائمون بها أو مخلّون؟ وكيف الطريق إلى الثبات على الأمور النافعة، وإيجاد ما نقص منها؟ وكيف التخلّص من الأمور الضارة؟ فيهتدون بعلومه) هـٰذا متى يكون؟ متى يهتدون بعلومه؟ بعد فهمه وتدبره وإدراك معانيه (فيهتدون بعلومه، ويتخلقون بأخلاقه وآدابه) لأنه هو المقصود، المقصود من القرآن أن يتخلق به الإنسان، ولذلك لما سأل سعد بن هشام بن عامر عاشة رَضِيَ اللهُ عَنْها عن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماذا قالت؟ قالت جواباً واضحاً، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: كان خلقه القرآن.
فالقرآن منهج يسير عليه الإنسان ويسلكه، والخلق يشمل الأمر الظاهر والأمر الباطن، فكلما أنعم الإنسان النظر في كتاب الله وتدبره ك استفاد منه خلقاً وزكاءً وكان أشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فمن سلك هذا الطريق الذي سلكوه، وجَدّ واجتهد في تدبر كلام الله، انفتح له الباب الأعظم في علم التفسير، وقويت معرفته واستنارت بصيرته، واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلّفات، وعن البحوث الخارجية. وخصوصاً إذا كان قد أخذ من علوم العربية جانباً قويّاً، وكان له إلمام واهتمام بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحواله مع أوليائه وأعدائه، فإن ذلك أكبر عون على هذا المطلب. ومتى علم العبد أن القرآن فيه بيان كل شيء، وأنه كفيل بجميع المصالح مبين لها، حاثٌّ عليها، زاجر عن المضار كلها، وجعل هذه القاعدة نصب عينيه، ونزّلها على كل واقع وحادث سابق أو لاحق، ظهر له عظم موقعها وكثرة فوائدها وثمرتها([6]).
يقول المؤلف رحمه الله: (فمن سلك هذا الطريق الذي سلكوه) والمشار إليه ما تقدم من طريقة السلف في تلقّي كتاب الله عز وجل، وقد بين ذلك في قوله: (كما تلقاه الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فإنهم كانوا إذا قرؤوا عشر آيات، أو أقل أو أكثر، لم يتجاوزوها حتى يعرفوا ما دلت عليه من الإيمان والعلم والعمل) إلىٰ آخر ما ذكر. فهـٰذه هي طريقة السلف، هـٰذه هي طريق الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم في تلقي كتاب الله عز وجل، ولا يحصل الانتفاع بالكتاب ولا الاتعاظ به، ولا تمام الاهتداء إلا لمن سلك هـٰذا السبيل، وأما من اقتصر على حفظ لفظه وإتقان مخارج حروفه وتجويده دون النظر إلىٰ معانيه وسبر ما تضّمنه من الخير والبركة، فإنه لم يحصل شيئاً؛ بل هو ممن عابه الله عز وجل في قوله تعالىٰ: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾([7]). فمع قراءتهم ومعرفتهم بسبك الحرف إلا أنهم موصوفون بأنهم أميون، والأمي هو المنسوب لأمه الذي لا يعلم، فوصفهم بهذا الوصف الذي يدل على جهلهم؛ لعدم عنايتهم بما جاء الكتاب من أجله من تدبر وتذكر وعمل. ولذلك حذر السلف من القراءة التي لا تثمر فهماً ولا عملاً، فمما ورد من ذلك ما ورد عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في نهيه عن هذ القرآن هذ الشعر ونثره نثر الدقل، قال: قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب. لأن هـٰذا هو المقصود، وهو والله أعلم المشار إليه في قوله: كيف بكم إذا كثرت قراؤكم وقل فقهاؤكم؟ فالقراء كثر الذين يتقنون مخارج الحروف ويعتنون بالتجويد ويحسنون القراءة اللفظية؛ لكن الذين يعملون بمقتضى الكتاب ويقفون عند عجائبه ويغورون في مفاهيمه وما تضمنه الكتاب المبين من المعاني قلة. يقول: إذا سلك ذلك الطريق وهو طريق العلم والإيمان والعمل (وجَدّ واجتهد في تدبر كلام الله) عز وجل، والتدبر هو النظر في معاني هـٰذا الكتاب والتأمل فيه وإنعام النظر في معانيه، هـٰذا معنى التدبر، ولا يمكن أن يتأتى التدبر لأحد إلا إذا انفتح له باب فهم المعنى؛ لأن فهم المعنى هو مفتاح حصول التدبر، فكيف تتدبر كلاماً لا تدرك معناه؟ ولذلك من أوائل وسائل تحصيل تدبّر كتاب الله عز وجل أن تفقه معاني كتاب الله عز وجل، فإذا مر عليك لفظ، مرت عليك آية لم تعرف معناها فاحرص على فقه معناها، ومعرفته من كتب التفاسير الموثوقة.
ثم بعد ذلك تأمل وتدبر، فالتدبر هو مرحلة تالية، (فمن جَدّ واجتهد في تدبر كلام الله، انفتح له الباب الأعظم في علم التفسير، وقويت معرفته واستنارت بصيرته، واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلفات، وعن البحوث الخارجية) يعني التي شحنت بها كتب التفسير؛ لأن كتب التفسير مختلفة ومتنوعة في جودتها ودقتها وتحريرها ورسوخ علم أصحابها، تختلف، فإذا أردت الطريق السهل لتحصيل علم التفسير فاحرص على هـٰذا المعنى الذي أشار إليه. قال رحمه الله: (وخصوصاً إذا كان قد أخذ) يعني إذا كان الناظر المتدبر في كتاب الله عز وجل (قد أخذ من علوم العربية جانباً قويّاً) وهـٰذا إشارة من المؤلف رحمه الله إلىٰ العلوم المعينة في تدبر كتاب الله عز وجل، ويسميها علماء التفسير -يسمون هـٰذه العلوم- العلوم التي يستمد منها التفسير، وعلى كل حال المقصود العلوم التي تعين الإنسان في حصول التدبر والتأمل لكلام الله عز وجل، إذا كان قد أخذ من علوم العربية جانباً قويّاً، وذلك في معاني الألفاظ وفي تركيب الجملة أيضاً -يعني الإعراب- فكلا الأمرين يعين الإنسان على فهم كلام الله عز وجل وعلى تدبره، (وكان له إلمام واهتمام بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . طيب ما هو دليل قوله: (إذا كان قد أخذ من علوم العربية جانباً قويّاً)؟ ما الدليل على ذلك؟ أن القرآن نزل بلغة من؟ بلسان عربي مبين، فبقدر عمق الإنسان وتوغله في فهم هـٰذه اللغة دون تكلف وشطط بقدر ما يكون معه من فقه الكتاب؛ لكن يضاف إلى ذلك أمر آخر مهم، وهو ما أشار إليه في قوله: (وكان له إلمام واهتمام بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحواله مع أوليائه وأعدائه، فإن ذلك أكبر عون على هذا المطلب)؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجمان القرآن بقوله وفعله وعقيدته وحاله وحِلِّه وترحاله وجميع شؤونه؛ ولذلك قالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها في وصف خلقه: كان خلقه القرآن. فدل ذلك على أن كل ما يفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ترجمة وبيان لهذا الكتاب المبين. فمن المهم لمن أراد أن يفقه الكتاب وأن يفهم آيات التنزيل أن يقرن ذلك بمعرفة أحوال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتفسير النبوي القولي والفعلي هو أول ما يفسر به كلام الله عز وجل، وأولى ما يصار إليه في فهم مراد الله عز وجل؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفهم الناس بكلام الله جل وعلا، وهو أعلمهم بالله عز وجل وبكلامه وقوله؛ ولذلك كان من المهم للناظر في علم التفسير أن يحيط علماً بهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الله إنما أنزل الكتاب على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبينه للناس، وبيانه بيان قولي وبيان فعلي وبيان حالي.
ثم قال رحمه الله: (ومتى علم العبد أنّ القرآن فيه تبيان كل شيء) يعني مما يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم، وأنه كفيل بجميع المصالح؛ يعني زعيم، ضامن لحصول جميع المصالح (مبين لها، حاث عليها، زاجر عن المضار كلها، وجعل هذه القاعدة نصب عينيه، ونزّلها على كل واقع وحادث سابق أو لاحق) يعني في القديم والحديث، (ظهر له عظم مواقعها وكثرة فوائدها وثمراتها)، وإنما يتبين ذلك بالتجارب، فالتجربة هي التي تبين هـٰذا الأمر.
([1]) سورة : البقرة (189).
([2]) سورة : الإسراء (9).
([3]) في نسخة: معنى.
([4]) سورة : البقرة (189).
([5]) سورة : الإسراء (9).
([6]) في نسخة: ثمراتها.
([7]) سورة : البقرة (78).
[/size]
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:41 pm
العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب
وهذه القاعدة نافعة جداًّ، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع في الغلط والارتباك. وهذا الأصل اتفق عليه المحققون من أهل الأصول وغيرهم، فمتى راعيت هـٰذه القاعدة حق الرعاية عرفت أن ما قاله المفسرون من أسبـاب النّزول إنما هوعلى سبيل المثـال لتوضيـح الألفاظ، و ليست معاني الألفاظ والآيات مقصورةً عليها. فقولهم: نزلت في كذا وكذا، معناه:أن هذا مما يدخل فيها، ومن جملة ما يراد بها، فإن القرآن -كما تقدم- إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها- حيث تكون وأنى تكون-) .
إنما أنزل القرآن لهداية أول الأمة وآخرها، ما فيه الزيادات التي عندك، وقد نبه شيخنا رحمه الله في شرحه وتعليقه على هـٰذه الرسالة المباركة أنّ فيها زيادات من المحقق، ليست من الشيخ، زيادات واضح أنها من المحقق. وهـٰذه النسخة التي معي مقابلة على نسختين خطيتين، فعدلوا الذي عندكم، وننبه فقط على المهم وإلا بعض الأشياء تمشي. وهي قاعدة من القواعد المشهورة عند أهل العلم في كل فن، وليست مما يختص بعلم التفسير، فهي عند أهل الفقه، وعند أهل الأصول، وعند كثير من أهل العلم؛ لكن تقريرها والتمثيل لها أكثره في كتب الأصول والقواعد.
معنى هـٰذه القاعدة: أن النصوص التي وردت على أسباب خاصّة؛ أي آيات القرآن التي وردت على قضايا معنية، هل هـٰذه الآيات لا تفيد الحكم إلا في تلك القضايا فقط؟ أم أنها تفيد الحكم في تلك القضايا وفيما شابهها ووافقها في المعنى؟ معنى هـٰذه القاعدة المعنى الثاني: أن ما نزل من النصوص على أسباب خاصة لا يُقصر على ذلك السبب؛ بل يثبت الحكم المتضمن لذلك النص في غيره مما يشابهه ويلتحق به في المعنى. فمثلاً قصة الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، هل آيات الظهار خاصة في هذه المرأة أو في هـٰذه القضية؟ أم أنها فيها وفيما يشبهها؟ الجواب الثاني: أنه فيها وفيما يشبهها. وكذلك كل الآيات التي جاءت بلفظ عام بسبب قضية خاصة، فالحكم فيها لا يختص بتلك القضية بعينها؛ بل هو فيها قطعاً وفيما يشبهها عند جماهير أهل العلم، ولذلك ذكر المؤلف الشيخ عبدالرحمـٰن رحمه الله اتفاق المحققين من أهل الأصول على هـٰذه القاعدة. وقوله: (اتفق عليه المحققون) إشارة إلىٰ أن القاعدة فيها خلاف؛ ولكن اعلم أن الخلاف ليس كما يتوهمه البعض من أن بعض العلماء يقصر دلالة الآية على القضية المعينة فقط؛ ولا يلحق بها شيئاً، فإن هـٰذا ليس بصواب، ولم يقل به أحد من أهل الإسلام، بل يقول شيخ الإسلام: لا يقول به عاقل. إنما المراد قصره على تلك القضية وما شابهها في النوع. ويتضح هـٰذا بالمثال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إني أصبت من امرأة قبلة. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أصليت معنا؟)). قال: نعم. فقال له بعد ذلك: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ﴾.( ) فقال الصحابي -صاحب القضية-: ألي خاصة؟ قال: ((بل للأمة عامة)).( ) هـٰذا دليل على هـٰذه القاعدة، وحتى يتضح وجه الخلاف بين أهل العلم في هـٰذه القاعدة، ما هناك أحد من أهل العلم يقول: إن هـٰذه الآية تخص ذلك الرجل دون غيره، إنما منهم من يقول: إن هـٰذه الآية تخص ذلك النوع من الذنوب، وهو ما يتعلق بتقبيل المرأة، أما غيرها من الذنوب فلا تدخل في عموم الآية؛ لأن الآية وردت على سبب خاص فيُقصر على السبب الخاص، لكن لا على الشخص إنما على النوع. على كل حال هـٰذا محله كتب الأصول. والمراد أن نبين أن العبرة في نصوص الكتاب لا في أفراد القضايا التي وردت النصوص عليها، إنما هو فيها وفيما يشبهها في المعنى، وهـٰذا لا إشكال أنه هو الراجح الذي دلت عليه السنة ودل عليه فعل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وهو مقتضى أن الكتاب شامل، وتبيان لكل شيء، فلو لم يكن كذلك لما كان الكتاب تبياناً لكل شيء، لكان تبياناً لقضايا وأحداث معينة.
المهم أن هـٰذه القاعدة معناها: أنه ينبغي لنا عند النظر في أسباب النزول، ألا نقصُر النصوص على تلك الأسباب فقط؛ بل نثبت المعاني -أو الأحكام أو الأوصاف أو ما تضمنته النصوص - لتلك الوقائع، ولما وافقها في المعنى، وبهذا ينفتح للإنسان باب عظيم من أبواب التفسير. وكتابنا الذي سنقرؤه إن شاء الله تعالىٰ وهو كتاب تفسير الجلالين أغفل هـٰذه القضية إغفالاً بيّناً فهو من الملاحظات الظاهرة على تفسير الجلالين أنه لا يعمل هـٰذا الأصل، ولعل السبب أنه يقصر التفسير؛ يعني يختصر اختصاراً كبيراً، حتى إنه في بعض الآيات لا يحملها إلا على من وردت فيه. فمثلا في قوله تعالىٰ: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17)﴾( ) جعلها فقط في أبي بكر، قال: هـٰذه في أبي بكر. ولم يشر إلىٰ أن الآية تشمل كل من اتصف بالوصف المذكور في الآية أو في السورة. على كل، هـٰذه من القواعد المهمة التي لا بد للناظر في كتاب الله عز وجل؛ بل في كلام الله وفي كلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يلاحظها وأن يراعيها حتى تتم فائدته. وأما قول الشيخ رحمه الله: (عرفت أن ما قاله المفسرون من أسبـاب النزول إنما هوعلى سبيل المثـال لتوضيـح الألفاظ). هـٰذا يبين لنا فائدة ذكر أسباب النزول، أنها تعين على فهم كلام الله عز وجل، ما فيه شك إذا عرفت السبب الذي نزلت من أجله الآية أعانك ذلك على أي شيء؟ على فهم معناها والعمل بمقتضاها، قال: (وليست معاني الألفاظ و الآيات مقصورةً عليها) يعني ليس المراد قصر الآية على ذلك السبب دون غيره، (فقولهم: نزلت في كذا وكذا) قول من؟ قول أهل التفسير، وقول أهل العلم حتى من الصحابة ، (نزلت في كذا) يقول: ما معنى هذا؟ (معناه: أن هذا مما يدخل فيها)، هـٰذا أحد معاني هـٰذه الكلمة. والمعنى الآخر أنه سبب نزولها. فقول أهل العلم: نزلت في كذا يحتمل أحد أمرين: الأمر الأول: أن يكون هـٰذا هو سبب نزول الآية. والأمر الثاني: بيان أن هـٰذا مما يدخل في معنى الآية أو مما تشمله دلالة الآية. واضح الكلام يا إخواني أو لا؟ (والله تعالى قد أمرنا بالتفكر والتدبر لكتابه، فإذا تدبرنا الألفاظ العامة، وفهمنا أن معناها يتناول أشياء كثيرة، فلأي شيء نُخرج بعض هذه المعاني، مع إدخالنا ما هو مثلها ونظيرها فيها؟ ولهذا قال ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك، فإنه إما خير تُؤمر به، وإما شر تُنهى عنه) .يعني هـٰذا كالدليل لما تقدم من أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، أن كثيراً من الآيات التي نزلت على قضايا خاصة معيّنة صُدِّر الخطاب فيها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاس﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وهـٰذا فيه نداء، والنداء إنما يكون لما فيه فائدة وعبرة، لا لمجرد القصر، ولذلك قال: (فأرعها سمعك) يعني فأنصت إليها واستمع إليها وأقبل عليها (فإنه إما خير تُؤمر به، وإما شر تُنهى عنه) نعم. (فمتى مرّ بك خبر عن الله، وعما يستحقه من الكمال، وما يتنزه عنه من النقص. فأثبت له جميع ذلك المعنى الكامل الذي أثبته سبحانه لنفسه، ونزّهه عن كل ما نزه نفسه عنه)
.وهـٰذا أمر مهم، وهو من فروع هـٰذه القاعدة: أن ما أثبته الله عز وجل لنفسه من الصفات أو من الأسماء أو من الأفعال يجب أن يثبت كما جاء، وأن يثبت كل ما دل عليه اللفظ من معنى، فليس سائغاً أن نقصر اللفظ على بعض معانيه؛ بل لا بد من إثبات جميع ما تضمنه المعنى لنكون عاملين بالكتاب معظمين له، متدبرين له حق التدبر، فقصر اللفظ أو قصر الآية أو النص على بعض المعاني التي دلت عليها هـٰذا من البخس. وأضرب لذك مثلاً: قال الله جل وعلا في كتابه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)﴾( ). هـٰذا فيه إثبات علو الله عز وجل، والعلو يحتمل أن يكون علو المكان، ويحتمل أن يكون علو المكانة والشرف، ويحتمل أن يكون علو القهر، أليس كذلك؟ كل هـٰذا مما يندرج ويدخل تحت قوله: ﴿الأَعْلَى﴾ تحت وصف الله عز وجل وتسميته بهذا الاسم. أهل السنة والجماعة أعملوا هـٰذه المعاني كلها وأثبتوها، ولم يؤولوا شيئاً منها: فأثبتوا علو الله عز وجل على خلقه وأنه فوق كل شيء جل وعلا. وأثبتوا علو القهر فهو القاهر فوق عباده. وأثبتوا علو القدر في ذاته وأسمائه وصفاته. فلا أعلى منه، كما قال جل وعلا: ﴿وله المثل الأعلى﴾ أي له الصفة العليا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. أما المحرفون من أهل التعطيل فقد أبوا إثبات علو المكان، فقالوا: ليس الله فوق العالم. واختلفوا في مكان ربهم: منهم من يقول: إنه في كل مكان. ومنهم من يقول: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، فوصفوه بالعدم. إذاً أي الطريقين أفضل؟ طريق من أثبت ما تضمنه اللفظ من المعاني على وجه الكمال؟ أم طريق الذي قصر اللفظ على بعض معانيه؟ لا إشكال أن الأول هو الطريق السليم الذي دل عليه الكتاب والسنة. واعلم أن العلو بذاته -أي هـٰذه الصفة بعينها- قد دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فاجتمعت في الدلالة على إثبات هـٰذه الصفة لرب العالمين كل أنواع الأدلة. فينبغي للمؤمن أن يُحَاجّ أهل الكلام بمثل هـٰذه القواعد التي تكون في يده كالسيف على المخالف، وأن لا يقتصر فقط على أن يقول: هـٰذه عقيدة السلف دون أن يحاج وأن يبين أن عقيدة السلف ليست مجرد نُقولٍ جامدة، لا تدعمها الحجة والبرهان؛ بل هي حجة وبرهان، ويدل عليها لفظ الكتاب والسنة، ويدل عليها أيضاً المعنى المعقول. وكان كثيراً ما يحثنا شيخنا ويندبنا إلىٰ المحاجة بدلالة العقل في كثير من المسائل؛ لأن الخصم قد لا يُسَلِّم لك بدلالة اللفظ؛ لكنك إذا أتيت له بحجة وبرهان هو يستند إليه ويعتمده ويحتج به ويَنتسب إليه وهو العقل خصمته، وإذا خصمته وأفسدت سلاحه فقد أُسْقِطَ في يديه. و على هـٰذه الطريق سِر فيما سيأتي ذكره. (وكذلك إذا مر بك خبر عن رسله وكتبه واليوم الآخر، وعن جميع الأمور السابقة واللاحقة، جزمت جزماً لا شك فيه أنه حق على حقيقته، بل هو أعلى أنواع الحق والصدق، ومن أصدق من الله قيلاً وحديثاً. وإذا أمر بشيء نظرت إلى معناه، وما يدخل فيه وما لا يدخل، وأن ذلك الأمر موجه إلى جميع الأمة، وكذلك في النهي. ولهذا كانت معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصلَ الخير والفلاح، والجهل بذلك أصل الشر والجفاء. فمراعاة هذه القاعدة أكبر عون على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والقيام بها. والقرآن قد جمع أجل المعاني وأنفعها وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها، كما قال تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾( )).
وهـٰذا من نعمة الله عز وجل أن جعل القرآن على أكمل لفظ وأتم معنى، فقد جمع أجل المعاني وأنفعها وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها، فاجتمع فيه الصدق، واجتمع فيه البيان والوضوح، وهـٰذه من الأوصاف التي تجعل الإنسان يسلّم لهذا الخطاب؛ لأنه إذا كان الخطاب صادقاً عالماً فصيحاً ناصحاً، فلا أكمل منه في الهداية والإرشاد. فهـٰذه الأوصاف الأربعة هي أوصاف كلام الله وكلام رسوله، ولما كانت هـٰذه أوصافه كان في غاية الكمال، وكان من مقتضى الإيمان بالله ورسوله وتصديق أن هـٰذا هو وصف كلامه وكلام رسوله أن يسلم الإنسان لهذه النصوص، وأن يثبت مقتضاها ولازمها. نعم. إذاً ملخص هذه أن القاعدة أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. والمقصود بالعبرة يعني الاعتبار والاتّعاظ والعمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ يعني لا بما ورد النص من أجله أو فيه.
([1]) سورة : هود (114). ([1]) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة، حديث رقم (526). مسلم: كتاب التوبة، باب قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ﴾، حديث رقم (2763). ([1]) سورة : الليل (17). ([1]) سورة : الأعلى (1). ([1]) سورة : الفرقان (33).
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:43 pm
الألف واللام الداخلة على الأوصاف و أسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه
وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية). قبل أن ندخل في القاعدة يقول: (الألف واللام الداخلة على الأوصاف) الأوصاف جمع وصف، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وغيرها، (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس) وسيمثل المؤلف رحمه الله لكل من الأوصاف وأسماء الأجناس (تفيد الاستغراق) يعني تفيد ثبوت كل ما دلّ عليه اللفظ، وكل ما يندرج تحته وينطوي في ظله. يقول رحمه الله: (بحسب ما دخلت عليه) يعني على قدر، حسب هنا بمعنى بقدر وبعدد، بقدر ما دخلت عليه؛ يعني على حسب ما يحتمله اللفظ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالىٰ فيما يذكره المؤلف رحمه الله من الأمثلة. (وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية، واتفق على اعتبار ذلك أهل العلم والإيمان. فمثلُ قوله تعالى):هذا تمثيل لدخول الألف واللام على الأوصاف، قوله: (ومثل قوله) هذا تمثيل للأوصاف. (﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلى قوله تعالىٰ: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾( )). يعني إلىٰ نهاية الآية، الآية تضمنت اسماً وخبراً، فالأسماء المذكورة هي الأوصاف ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ إلىٰ آخر الآية ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾. فالمتصفون بهذه الأوصاف موعودون من الله جل وعلا بهذا المنّ وهـٰذا الفضل، وهو أنه أعدَّ لهم مغفرة وأجراً عظيماً. نعم. (يدخل في هذه الأوصاف كل ما تناولته من معاني الإسلام والإيمان والقنوت والصدق إلى آخرها) . يعني مما جاء ذكره في الآية، فكل ما يتضمنه لفظ الإسلام يدخل في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ كل ما يتضمنه لفظ الإيمان يدخل في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ وهلم جرّاً، إلى نهاية الأوصاف المذكورة في هـٰذه الآية. (وأن بكمال هذه الأوصاف يكمل لصاحبها ما رتب عليها من المغفرة والأجر العظيم، وبنقصانها ينقص، وبعدمها يفقد). وهـٰذه فائدة جليلة عظيمة استحضِرها في كل فضل ورد على وصف، فكل فضل ورد على وصف فلك من الفضل والأجر الموعود بقدر ما معك من الوصف المذكور، فالآن الله جل وعلا يقول هنا بعد ذكر الأوصاف: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. معلوم يا إخواني أن المسلمين والمؤمنين والموصوفين بهذه الصفات في هـٰذه الآية تختلف درجات تحقيقهم لهذه الأوصاف: فمنهم من إسلامه قوي ومنهم من إسلامه دون ذلك.
منهم من إيمانه قوي ومنهم من إيمانه دون ذلك. ومنهم من قنوته قوي ومنهم من قنوته دون ذلك. فهل هٰؤلاء على مرتبة واحدة ودرجة واحدة في الثواب المعدّ أو في الثواب المذكور؟ الجواب: لا، كيف التفاوت؟ التفاوت بينهم بقدر ما معهم من تلك الأوصاف، فبقدر ما معك من كل صفة، بقدر ما يحصل لك من الفضل المذكور في قوله تعالىٰ:
﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾، وهـٰذا في كل أمر، ليس فقط في هـٰذه الآية. مثلاً ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: ((الصلوات المكتوبات والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلىٰ رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).( ) وذكر أيضاً من الفضل أنه: ((إذا توضأ الإنسان وأحسن الوضوء خرجت ذنوبه مع آخر قطر الماء)).( ) كل هـٰذه الفضائل المذكورة لك منها أو نصيبك منها بقدر ما معك من تحقيق الوصف الذي رُتِّب عليه الأجر سواء بسواء: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾.( ) فنبغي للإنسان في مثل هـٰذه الأمور أن لا يقتصر على الحد الأدنى من هـٰذه الأوصاف؛ بل يجب عليه أن يُسابق وأن يسارع إلىٰ تحقيق أعلى وغاية كمال يستطيعه، وإذا علم الله منه الصدق بلّغه الله عز وجل ما يرغب من خير وإن كان قد قَصُر عمله، والعلة في أن الأجر على قدر الوصف: أن الأجر الذي ذُكر بعد وصف حقيقته كالعلة للحكم، والعلة للحكم معلوم أن (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، قوةً وضعفاً). انتبه لهذه: نحن نعرف أن (وجوداً وعدماً) كثير من إخواننا يعرف هـٰذه القاعدة لكن (قوةً وضعفاً) تخفى على الكثيرين فهي كما أنها تتفاوت في الوجود والعدم كذلك تتفاوت في القوة والضعف. (وهكذا كل وصف رتب عليه خير وأجر وثواب، وكذلك ما يقابل ذلك: كل وصف نَهى الله عنه ورتب عليه وعلى المتصف به عقوبة وشرّاً ونقصاً، يكون له من ذلك بحسب ما قام به من الوصف المذكور).الشاهد من هـٰذا المثال أن الألف واللام لما دخلت على هـٰذه الأوصاف ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾، ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿الْقَانِتِينَ﴾، ﴿الْخَاشِعِينَ﴾، ﴿الصَّابِرِينَ﴾، ﴿الصَّادِقِينَ﴾، ﴿الصَّائِمِينَ﴾، ﴿الْمُتَصَدِّقِينَ﴾، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾، ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ أفاد ثبوت كل ما تتضمنه هـٰذه الأوصاف من المعاني على تفاوت درجات الموصوفين بها، هـٰذا وجه الدلالة من هـٰذه الآية للقاعدة. (وكذلك مثل قوله تعالى):هـٰذا مثال لأسماء الأجناس، قال في القاعدة: (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس) مرّ التمثيل للأوصاف، والآن يمثل لأسماء الأجناس. نعم (﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾، ( ) عام لجنس الإنسان. فكل إنسان هذا وصفه إلا من استثنى الله بقوله: ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾( ) إلى آخرها، كما أن قوله: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾( ) كل إنسان متصف بالخسار ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ الآية( ) وأمثال ذلك كثير ) يعني في كتاب الله وكلامه جل وعلا. (وأعظم ما تعتبر به هذه القاعدة: في الأسماء الحسنى) معنى (تعتبر به) أي يتعظ بها وينتفع منها في الأسماء الحسنى. (فإن في القرآن منها شيئاً كثيراً، وهي أجل علوم القرآن). (أجلّ علوم القرآن) لأن أعظم العلوم العلم بالله عز وجل، وإنما جاء القرآن ليعرّف الناس بربهم، ولذلك لما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل إلىٰ أهل اليمن قال: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا عرفوا ذلك))( ) أي عرفوا حق الله جل علا، وحق رسوله، الذي هو فرع عن حق الله عز وجل يترتب بعد ذلك أحكام الشريعة.
المهم أن أعظم المعلومات العلم بالله جل وعلا؛ لأنه الذي تطمئن بذكره القلوب وتسكن، والذي لا قرار للنفس إلا بمعرفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومعرفته فطرية، وهـٰذا من رحمته بعباده أن فطرهم على معرفته وطلب التعرف عليه؛ لكن لا سبيل إلىٰ المعرفة بالله عز وجل وكمالها إلا من طريق الرسل؛ ولذلك كل من سلك طريقاً يتعرّف به على الله عز وجل غير طريق الرسل فإنه لا يصل إلا إلىٰ ضلال، ولا يحصل إلا خبالاً. فالواجب على المؤمن أن يقتصر في معرفة الله جل وعلا على ما جاءت به الرسل، وأعظم ذلك ما احتواه هـٰذا الكتاب المبين القرآن العظيم فإنه عرف بالله أكمل تعريف. حتى إن ابن القيم رحمه الله قال: إن الرسل قد جاءت بتعريف الله حتى إن الإنسان ليكاد من شدة ما ورد من أوصاف أن يراه عياناً: فيراه جل وعلا مستوياً على عرشه يبسط ويقبض، يرفع ويخفض وما إلىٰ ذلك مما ذكره رحمه الله في مدارج السالكين. المهم أن تمام المعرفة بالله عز وجل تحصل للمؤمن من طريق الرسل، وأعظم ذلك هـٰذا الكتاب المبين. نعم
(بل هي المقصد الأول للقرآن. فمثلاً يخبر الله عن نفسه:[أنه الله وأنه الملك والعليم الرب الحي القيوم]، وأنه الملك والعليم والحكيم، والعزيز والرحيم، والقدوس السلام، والحميد المجيد. فالله هو الذي له جميع معاني الألوهية( ) التي يستحق أن يؤله لأجلها)(يؤله) يعني يعبد. (وهي صفات الكمال كلها، والمحامد كلها له، والفضل كله، والإحسان كله، وأنه لا يُشارِك اللهَ أحد في معنى من معاني الألوهية( ) لا بشر ولا مَلَك، بل هم جميعاً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية، مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته،( ) وأنه الملك الذي له جميع معاني الملك، وله الملك الكامل والتصرف النافذ، وأن الخلق كلهم مماليك لله، عبيد تحت أحكام ملكه القدرية والشرعية والجزائية). (القدرية) معروفة وهي ما قضاه الله قدراً، و(الشرعية) معروفة، فما هي الجزائية؟ المراد بالجزائية ما يعاقب الله به عباده قدراً وشرعاً: قدراً كالعقوبات التي يعاقب الله بها من خرج عن أمره. وأما الشرعية فكالحدود وشِبْهها. هـٰذا معنى الجزائية فهي عائدة للقدرية والشرعية. (وأنه العليم بكل شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي أحاط علمه بالبواطن والظواهر، والخفيات والجليات، والواجبات والمستحيلات والجائزات، والأمور السابقة واللاحقة، والعالم العلوي والسفلي، والكليات والجزئيات، وما يعلم الخلق وما لا يعلمون). فهـٰذه القاعدة هي القاعدة الثالثة، وقد تقدم الكلام على أولها وهي قاعدة (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه( )).والشيخ رحمه الله مثّل للقاعدتين أو لما تضمّنته هـٰذه القاعدة. والآن يمثّل للألف واللام الداخلة على الأسماء والأوصاف، ومثّل بالألف واللام الداخلة على أسماء الله تعالىٰ.
وهـٰذه الأسماء -أيها الإخوة- مثل ما رأينا أن الشيخ رحمه الله ذكر سعة معانيها في الملك والعلم، ولكل ما ذكره دليل من الكتاب والسنة. ولا أرى من المناسب أن نفصل في أدلة ما ذكر؛ لأن هـٰذا محله كتب العقائد، وإنما مراد الشيخ رحمه الله التمثيل للقاعدة، ومراده بالواجبات والمستحيلات والجائزات هـٰذه القسمة العقلية للوجود: إما واجب أو مستحيل أو ممكن. الواجب: هو ما لا بد من وجوده، الذي لا يصلح العالم إلا بوجوده، وهو الله جل وعلا. والمستحيل: هو ممتنع الوجود، الذي يمتنع وجوده، مثال ذلك: وجود إلهين، هـٰذا ممتنع ومستحيل.
والثالث الجائزات: وهو ما يمكن أن يوجد وما يمكن أن لا يوجد؛ يعني ما يقبل الوجود والعدم. هـٰذا معنى قوله: (والواجبات، والمستحيلات، والجائزات) أي أحاط علمه جل وعلا بالواجبات وأحاط بالمستحيلات والجائزات. ثم قال: (والأمور السابقة واللاحقة)، ثم قال: (والكليات والجزئيات) أي العلم العام والعلم التفصيلي، خلافاً لمن قال: إن الله جل وعلا لا يعلم إلا العلم الإجمالي، وأما العلم التفصيلي فليس داخلاً في علمه. هـٰذا من الكذب على الله جل وعلا، ومن التكذيب بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. على كل هـٰذه يأتي تفصيلها في الدروس إن شاء الله تعالىٰ المستقبلة. نعم (وأنه الحكيم الذي له الحكمة التامة الشاملة لجميع ما قضاه وقدره وخلقه، وجميع ما شرعه لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق ولا مشروع، وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة).رحمة الله جل وعلا في الخلق والأمر، في التقدير الكوني وفي التقدير الشرعي، فقوله: (لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق) هـٰذا في الحكم الكوني، (ولا مشروع) هـٰذا في الحكم الشرعي.
(وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة على وجه الكمال التام من كل وجه: عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وأن جميع الخلق في غاية الذل ونهاية الفقر، ومنتهى الحاجة والضرورة إلى ربهم. وأنه الرحيم الذي له جميع معاني الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء، ولم يخل مخلوق من إحسانه وبره طرفة عين، ووصلت رحمته حيث وصل علمه ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً﴾.( ) وأنه القدوس السلام، المعظم المنزه عن كل عيب وآفة ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له ند من خلقه. وهكذا بقية الأسماء الحسنى، اعتبرْها بهذه القاعدة الجليلة ينفتح لك باب عظيم من أبواب معرفة الله؛ بل أصل معرفة الله تعالى معرفة ما تحتوي عليه أسماؤه الحسنى من المعاني العظيمة، بحسب ما يقدر عليه العبد، وإلا فلن يبلغ علم أحد من الخلق، ولن يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده) .جل وعلا، وقد تكلم الشيخ رحمه الله كلاماً نافعاً جيداً في تعليقه على المقطع الذي تكلم به في النونية على أسماء الله عز وجل -نونية ابن القيم-، ومن المفيد قراءة ذلك في كتاب الكافية الشافية شرح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمـٰن حيث علق تعليقاً مفيداً يزداد به إيمان العبد وانتفاعه بأسماء الله عز وجل وصفاته؛ لأن هـٰذه الأسماء التي ملئ بها كتاب الله جل وعلا لم تذكر عبثاً ولا لمجرد أن تذكر دون أن يتعبد الله جل وعلا بما تضمنته من المعاني. فمن المهم، من المهم، من المهم لطالب العلم أن يعتني بهذا الجانب؛ لأن أصل العلم: العلم بالله جل وعلا، فبقدر علمك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقدر ما يكون معك من الإيمان، وبقدر ما يكون معك من السبق إلىٰ الطاعات والانتهاء عن المعاصي والسيئات. وإنما أشار الشيخ رحمه الله هنا إلىٰ نماذج، والتفصيل في شرح الكافية الشافية فليُرجع إليه. (ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾،( ) يشمل جميع أنواع البر والخير، وتشمل التقوى جميع ما يجب اتّقاؤه من أنواع( ) المعاصي والمحرمات) . هـٰذا تمثيل لدخول الألف واللام على أسماء الأجناس، (البر) من أسماء الأجناس، وكذلك (الخير) من أسماء الأجناس، و(التقوى) من أسماء الأجناس، فدخولها على هـٰذه الأسماء يفيد الاستغراق. نعم (والإثم: اسم جامع لكل ما يؤثم، ويوقع في المعصية. كما أن العدوان:اسم جامع يدخل فيه جميع أنواع التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض).بل وعلى النفس، على الناس ومنهم النفس، لأنه لا يجوز التعدي على النفس بأي شيء من أنواع التعدي المذكورة، ومن ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾.( ) (والتعدي على مجموع الأمة وعلى الحكومات، والتعدي على حدود الله. و(المعروف) في القرآن:اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً، وعكسه:المنكر والسوء والفاحشة).يعني في مثل قوله تعالى: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ المعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً وعادةً أيضاً. وقد نبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته إلى هذه القاعدة، وأرشدهم إلى اعتبارها، إذ علمهم أن يقولوا في التشهد في الصلاة: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) فقال: ((فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح من أهل السماء والأرض)).( )
وأمثلتها في القرآن كثيرة جدّاً) .من يستشعر منا هذا في صلاته؟ أنه إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أنه يسلم لكل عبد لله صالح في السماوات والأرض؟ قليل منا، وهـٰذا ليس خاصّاً بهذا الذكر؛ بل هو في جميع الأذكار، كثيراً ما يقول الإنسان الذكر دون أن يتأمل في معناه فيحرم خيره وبركته؛ لأن الخير والبركة المتضمنة في هـٰذه الألفاظ لا تحصل بمجرد النطق بها والتلفظ؛ بل لا بد من الوقوف على معانيها واستحضارها حتى يحصل الخير، وذكرنا في ذلك دليلاً في كتاب الله عز وجل وهو قوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ فوصفه بالبركة، ثم دلّ على طريق تحصيل البركة فقال: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.( )بهذا تكون انتهت هـٰذه القاعدة، وهي قاعدة نافعة مفيدة.
( ) سورة : الأحزاب (35). ( ) مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلىٰ الجمعة... حديث رقم (233). ( ) مسلم: كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء، حديث رقم (244، 245). ( ) سورة : يونس (44). ( ) سورة : المعارج (19-21). ( ) سورة : المعارج (22). ( ) سورة : العصر (1-2). ( ) سورة : العصر (3). ( ) مسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث رقم (19). ( ) في نسخة: الربوبية. ( ) في نسخة: الربوبية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:11]. ( ) في نسخة: فلا ينبغي أن يكون أحد منهم ندّاً، ولا شريكاً لله في عبادته وإلهيته، فبربوبيته سبحانه يربي الجميع من ملائكة وأنبياء وغيرهم:خلقاً ورزقاً وتدبيراً وإحياءً وإماتةً، وهم يشكرونه على ذلك بإخلاص العبادة كلها له وحده، فيؤلهونه ولا يتخذون من دونه وليّاً ولا شفيعاً، فالإلهية حق له سبحانه على عبادته بصفة ربوبيته. ( ) في نسخة: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾[البقرة:255]. ( ) سورة : غافر (7).
( ) سورة : المائدة (2). ( ) في نسخة: المَخُوفات. ( ) سورة : النساء (29). ( ) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم، حديث رقم (1202).
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:45 pm
الألف واللام الداخلة على الأوصاف و أسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه
وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية). قبل أن ندخل في القاعدة يقول: (الألف واللام الداخلة على الأوصاف) الأوصاف جمع وصف، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وغيرها، (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس) وسيمثل المؤلف رحمه الله لكل من الأوصاف وأسماء الأجناس (تفيد الاستغراق) يعني تفيد ثبوت كل ما دلّ عليه اللفظ، وكل ما يندرج تحته وينطوي في ظله. يقول رحمه الله: (بحسب ما دخلت عليه) يعني على قدر، حسب هنا بمعنى بقدر وبعدد، بقدر ما دخلت عليه؛ يعني على حسب ما يحتمله اللفظ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالىٰ فيما يذكره المؤلف رحمه الله من الأمثلة. (وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية، واتفق على اعتبار ذلك أهل العلم والإيمان. فمثلُ قوله تعالى):هذا تمثيل لدخول الألف واللام على الأوصاف، قوله: (ومثل قوله) هذا تمثيل للأوصاف. (﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلى قوله تعالىٰ: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾( )). يعني إلىٰ نهاية الآية، الآية تضمنت اسماً وخبراً، فالأسماء المذكورة هي الأوصاف ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ إلىٰ آخر الآية ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾. فالمتصفون بهذه الأوصاف موعودون من الله جل وعلا بهذا المنّ وهـٰذا الفضل، وهو أنه أعدَّ لهم مغفرة وأجراً عظيماً. نعم. (يدخل في هذه الأوصاف كل ما تناولته من معاني الإسلام والإيمان والقنوت والصدق إلى آخرها) . يعني مما جاء ذكره في الآية، فكل ما يتضمنه لفظ الإسلام يدخل في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ كل ما يتضمنه لفظ الإيمان يدخل في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ وهلم جرّاً، إلى نهاية الأوصاف المذكورة في هـٰذه الآية. (وأن بكمال هذه الأوصاف يكمل لصاحبها ما رتب عليها من المغفرة والأجر العظيم، وبنقصانها ينقص، وبعدمها يفقد). وهـٰذه فائدة جليلة عظيمة استحضِرها في كل فضل ورد على وصف، فكل فضل ورد على وصف فلك من الفضل والأجر الموعود بقدر ما معك من الوصف المذكور، فالآن الله جل وعلا يقول هنا بعد ذكر الأوصاف: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. معلوم يا إخواني أن المسلمين والمؤمنين والموصوفين بهذه الصفات في هـٰذه الآية تختلف درجات تحقيقهم لهذه الأوصاف: فمنهم من إسلامه قوي ومنهم من إسلامه دون ذلك.
منهم من إيمانه قوي ومنهم من إيمانه دون ذلك. ومنهم من قنوته قوي ومنهم من قنوته دون ذلك. فهل هٰؤلاء على مرتبة واحدة ودرجة واحدة في الثواب المعدّ أو في الثواب المذكور؟ الجواب: لا، كيف التفاوت؟ التفاوت بينهم بقدر ما معهم من تلك الأوصاف، فبقدر ما معك من كل صفة، بقدر ما يحصل لك من الفضل المذكور في قوله تعالىٰ:
﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾، وهـٰذا في كل أمر، ليس فقط في هـٰذه الآية. مثلاً ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: ((الصلوات المكتوبات والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلىٰ رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).( ) وذكر أيضاً من الفضل أنه: ((إذا توضأ الإنسان وأحسن الوضوء خرجت ذنوبه مع آخر قطر الماء)).( ) كل هـٰذه الفضائل المذكورة لك منها أو نصيبك منها بقدر ما معك من تحقيق الوصف الذي رُتِّب عليه الأجر سواء بسواء: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾.( ) فنبغي للإنسان في مثل هـٰذه الأمور أن لا يقتصر على الحد الأدنى من هـٰذه الأوصاف؛ بل يجب عليه أن يُسابق وأن يسارع إلىٰ تحقيق أعلى وغاية كمال يستطيعه، وإذا علم الله منه الصدق بلّغه الله عز وجل ما يرغب من خير وإن كان قد قَصُر عمله، والعلة في أن الأجر على قدر الوصف: أن الأجر الذي ذُكر بعد وصف حقيقته كالعلة للحكم، والعلة للحكم معلوم أن (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، قوةً وضعفاً). انتبه لهذه: نحن نعرف أن (وجوداً وعدماً) كثير من إخواننا يعرف هـٰذه القاعدة لكن (قوةً وضعفاً) تخفى على الكثيرين فهي كما أنها تتفاوت في الوجود والعدم كذلك تتفاوت في القوة والضعف. (وهكذا كل وصف رتب عليه خير وأجر وثواب، وكذلك ما يقابل ذلك: كل وصف نَهى الله عنه ورتب عليه وعلى المتصف به عقوبة وشرّاً ونقصاً، يكون له من ذلك بحسب ما قام به من الوصف المذكور).الشاهد من هـٰذا المثال أن الألف واللام لما دخلت على هـٰذه الأوصاف ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾، ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿الْقَانِتِينَ﴾، ﴿الْخَاشِعِينَ﴾، ﴿الصَّابِرِينَ﴾، ﴿الصَّادِقِينَ﴾، ﴿الصَّائِمِينَ﴾، ﴿الْمُتَصَدِّقِينَ﴾، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾، ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ أفاد ثبوت كل ما تتضمنه هـٰذه الأوصاف من المعاني على تفاوت درجات الموصوفين بها، هـٰذا وجه الدلالة من هـٰذه الآية للقاعدة. (وكذلك مثل قوله تعالى):هـٰذا مثال لأسماء الأجناس، قال في القاعدة: (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس) مرّ التمثيل للأوصاف، والآن يمثل لأسماء الأجناس. نعم (﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾، ( ) عام لجنس الإنسان. فكل إنسان هذا وصفه إلا من استثنى الله بقوله: ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾( ) إلى آخرها، كما أن قوله: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾( ) كل إنسان متصف بالخسار ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ الآية( ) وأمثال ذلك كثير ) يعني في كتاب الله وكلامه جل وعلا. (وأعظم ما تعتبر به هذه القاعدة: في الأسماء الحسنى) معنى (تعتبر به) أي يتعظ بها وينتفع منها في الأسماء الحسنى. (فإن في القرآن منها شيئاً كثيراً، وهي أجل علوم القرآن). (أجلّ علوم القرآن) لأن أعظم العلوم العلم بالله عز وجل، وإنما جاء القرآن ليعرّف الناس بربهم، ولذلك لما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل إلىٰ أهل اليمن قال: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا عرفوا ذلك))( ) أي عرفوا حق الله جل علا، وحق رسوله، الذي هو فرع عن حق الله عز وجل يترتب بعد ذلك أحكام الشريعة.
المهم أن أعظم المعلومات العلم بالله جل وعلا؛ لأنه الذي تطمئن بذكره القلوب وتسكن، والذي لا قرار للنفس إلا بمعرفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومعرفته فطرية، وهـٰذا من رحمته بعباده أن فطرهم على معرفته وطلب التعرف عليه؛ لكن لا سبيل إلىٰ المعرفة بالله عز وجل وكمالها إلا من طريق الرسل؛ ولذلك كل من سلك طريقاً يتعرّف به على الله عز وجل غير طريق الرسل فإنه لا يصل إلا إلىٰ ضلال، ولا يحصل إلا خبالاً. فالواجب على المؤمن أن يقتصر في معرفة الله جل وعلا على ما جاءت به الرسل، وأعظم ذلك ما احتواه هـٰذا الكتاب المبين القرآن العظيم فإنه عرف بالله أكمل تعريف. حتى إن ابن القيم رحمه الله قال: إن الرسل قد جاءت بتعريف الله حتى إن الإنسان ليكاد من شدة ما ورد من أوصاف أن يراه عياناً: فيراه جل وعلا مستوياً على عرشه يبسط ويقبض، يرفع ويخفض وما إلىٰ ذلك مما ذكره رحمه الله في مدارج السالكين. المهم أن تمام المعرفة بالله عز وجل تحصل للمؤمن من طريق الرسل، وأعظم ذلك هـٰذا الكتاب المبين. نعم
(بل هي المقصد الأول للقرآن. فمثلاً يخبر الله عن نفسه:[أنه الله وأنه الملك والعليم الرب الحي القيوم]، وأنه الملك والعليم والحكيم، والعزيز والرحيم، والقدوس السلام، والحميد المجيد. فالله هو الذي له جميع معاني الألوهية( ) التي يستحق أن يؤله لأجلها)(يؤله) يعني يعبد. (وهي صفات الكمال كلها، والمحامد كلها له، والفضل كله، والإحسان كله، وأنه لا يُشارِك اللهَ أحد في معنى من معاني الألوهية( ) لا بشر ولا مَلَك، بل هم جميعاً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية، مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته،( ) وأنه الملك الذي له جميع معاني الملك، وله الملك الكامل والتصرف النافذ، وأن الخلق كلهم مماليك لله، عبيد تحت أحكام ملكه القدرية والشرعية والجزائية). (القدرية) معروفة وهي ما قضاه الله قدراً، و(الشرعية) معروفة، فما هي الجزائية؟ المراد بالجزائية ما يعاقب الله به عباده قدراً وشرعاً: قدراً كالعقوبات التي يعاقب الله بها من خرج عن أمره. وأما الشرعية فكالحدود وشِبْهها. هـٰذا معنى الجزائية فهي عائدة للقدرية والشرعية. (وأنه العليم بكل شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي أحاط علمه بالبواطن والظواهر، والخفيات والجليات، والواجبات والمستحيلات والجائزات، والأمور السابقة واللاحقة، والعالم العلوي والسفلي، والكليات والجزئيات، وما يعلم الخلق وما لا يعلمون). فهـٰذه القاعدة هي القاعدة الثالثة، وقد تقدم الكلام على أولها وهي قاعدة (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه( )).والشيخ رحمه الله مثّل للقاعدتين أو لما تضمّنته هـٰذه القاعدة. والآن يمثّل للألف واللام الداخلة على الأسماء والأوصاف، ومثّل بالألف واللام الداخلة على أسماء الله تعالىٰ.
وهـٰذه الأسماء -أيها الإخوة- مثل ما رأينا أن الشيخ رحمه الله ذكر سعة معانيها في الملك والعلم، ولكل ما ذكره دليل من الكتاب والسنة. ولا أرى من المناسب أن نفصل في أدلة ما ذكر؛ لأن هـٰذا محله كتب العقائد، وإنما مراد الشيخ رحمه الله التمثيل للقاعدة، ومراده بالواجبات والمستحيلات والجائزات هـٰذه القسمة العقلية للوجود: إما واجب أو مستحيل أو ممكن. الواجب: هو ما لا بد من وجوده، الذي لا يصلح العالم إلا بوجوده، وهو الله جل وعلا. والمستحيل: هو ممتنع الوجود، الذي يمتنع وجوده، مثال ذلك: وجود إلهين، هـٰذا ممتنع ومستحيل.
والثالث الجائزات: وهو ما يمكن أن يوجد وما يمكن أن لا يوجد؛ يعني ما يقبل الوجود والعدم. هـٰذا معنى قوله: (والواجبات، والمستحيلات، والجائزات) أي أحاط علمه جل وعلا بالواجبات وأحاط بالمستحيلات والجائزات. ثم قال: (والأمور السابقة واللاحقة)، ثم قال: (والكليات والجزئيات) أي العلم العام والعلم التفصيلي، خلافاً لمن قال: إن الله جل وعلا لا يعلم إلا العلم الإجمالي، وأما العلم التفصيلي فليس داخلاً في علمه. هـٰذا من الكذب على الله جل وعلا، ومن التكذيب بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. على كل هـٰذه يأتي تفصيلها في الدروس إن شاء الله تعالىٰ المستقبلة. نعم (وأنه الحكيم الذي له الحكمة التامة الشاملة لجميع ما قضاه وقدره وخلقه، وجميع ما شرعه لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق ولا مشروع، وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة).رحمة الله جل وعلا في الخلق والأمر، في التقدير الكوني وفي التقدير الشرعي، فقوله: (لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق) هـٰذا في الحكم الكوني، (ولا مشروع) هـٰذا في الحكم الشرعي.
(وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة على وجه الكمال التام من كل وجه: عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وأن جميع الخلق في غاية الذل ونهاية الفقر، ومنتهى الحاجة والضرورة إلى ربهم. وأنه الرحيم الذي له جميع معاني الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء، ولم يخل مخلوق من إحسانه وبره طرفة عين، ووصلت رحمته حيث وصل علمه ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً﴾.( ) وأنه القدوس السلام، المعظم المنزه عن كل عيب وآفة ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له ند من خلقه. وهكذا بقية الأسماء الحسنى، اعتبرْها بهذه القاعدة الجليلة ينفتح لك باب عظيم من أبواب معرفة الله؛ بل أصل معرفة الله تعالى معرفة ما تحتوي عليه أسماؤه الحسنى من المعاني العظيمة، بحسب ما يقدر عليه العبد، وإلا فلن يبلغ علم أحد من الخلق، ولن يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده) .جل وعلا، وقد تكلم الشيخ رحمه الله كلاماً نافعاً جيداً في تعليقه على المقطع الذي تكلم به في النونية على أسماء الله عز وجل -نونية ابن القيم-، ومن المفيد قراءة ذلك في كتاب الكافية الشافية شرح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمـٰن حيث علق تعليقاً مفيداً يزداد به إيمان العبد وانتفاعه بأسماء الله عز وجل وصفاته؛ لأن هـٰذه الأسماء التي ملئ بها كتاب الله جل وعلا لم تذكر عبثاً ولا لمجرد أن تذكر دون أن يتعبد الله جل وعلا بما تضمنته من المعاني. فمن المهم، من المهم، من المهم لطالب العلم أن يعتني بهذا الجانب؛ لأن أصل العلم: العلم بالله جل وعلا، فبقدر علمك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقدر ما يكون معك من الإيمان، وبقدر ما يكون معك من السبق إلىٰ الطاعات والانتهاء عن المعاصي والسيئات. وإنما أشار الشيخ رحمه الله هنا إلىٰ نماذج، والتفصيل في شرح الكافية الشافية فليُرجع إليه. (ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾،( ) يشمل جميع أنواع البر والخير، وتشمل التقوى جميع ما يجب اتّقاؤه من أنواع( ) المعاصي والمحرمات) . هـٰذا تمثيل لدخول الألف واللام على أسماء الأجناس، (البر) من أسماء الأجناس، وكذلك (الخير) من أسماء الأجناس، و(التقوى) من أسماء الأجناس، فدخولها على هـٰذه الأسماء يفيد الاستغراق. نعم (والإثم: اسم جامع لكل ما يؤثم، ويوقع في المعصية. كما أن العدوان:اسم جامع يدخل فيه جميع أنواع التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض).بل وعلى النفس، على الناس ومنهم النفس، لأنه لا يجوز التعدي على النفس بأي شيء من أنواع التعدي المذكورة، ومن ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾.( ) (والتعدي على مجموع الأمة وعلى الحكومات، والتعدي على حدود الله. و(المعروف) في القرآن:اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً، وعكسه:المنكر والسوء والفاحشة).يعني في مثل قوله تعالى: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ المعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً وعادةً أيضاً. وقد نبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته إلى هذه القاعدة، وأرشدهم إلى اعتبارها، إذ علمهم أن يقولوا في التشهد في الصلاة: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) فقال: ((فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح من أهل السماء والأرض)).( )
وأمثلتها في القرآن كثيرة جدّاً) .من يستشعر منا هذا في صلاته؟ أنه إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أنه يسلم لكل عبد لله صالح في السماوات والأرض؟ قليل منا، وهـٰذا ليس خاصّاً بهذا الذكر؛ بل هو في جميع الأذكار، كثيراً ما يقول الإنسان الذكر دون أن يتأمل في معناه فيحرم خيره وبركته؛ لأن الخير والبركة المتضمنة في هـٰذه الألفاظ لا تحصل بمجرد النطق بها والتلفظ؛ بل لا بد من الوقوف على معانيها واستحضارها حتى يحصل الخير، وذكرنا في ذلك دليلاً في كتاب الله عز وجل وهو قوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ فوصفه بالبركة، ثم دلّ على طريق تحصيل البركة فقال: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.( )بهذا تكون انتهت هـٰذه القاعدة، وهي قاعدة نافعة مفيدة.
( ) سورة : الأحزاب (35). ( ) مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلىٰ الجمعة... حديث رقم (233). ( ) مسلم: كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء، حديث رقم (244، 245). ( ) سورة : يونس (44). ( ) سورة : المعارج (19-21). ( ) سورة : المعارج (22). ( ) سورة : العصر (1-2). ( ) سورة : العصر (3). ( ) مسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث رقم (19). ( ) في نسخة: الربوبية. ( ) في نسخة: الربوبية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:11]. ( ) في نسخة: فلا ينبغي أن يكون أحد منهم ندّاً، ولا شريكاً لله في عبادته وإلهيته، فبربوبيته سبحانه يربي الجميع من ملائكة وأنبياء وغيرهم:خلقاً ورزقاً وتدبيراً وإحياءً وإماتةً، وهم يشكرونه على ذلك بإخلاص العبادة كلها له وحده، فيؤلهونه ولا يتخذون من دونه وليّاً ولا شفيعاً، فالإلهية حق له سبحانه على عبادته بصفة ربوبيته. ( ) في نسخة: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾[البقرة:255]. ( ) سورة : غافر (7).
( ) سورة : المائدة (2). ( ) في نسخة: المَخُوفات. ( ) سورة : النساء (29). ( ) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم، حديث رقم (1202).
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:48 pm
(إذا وقعت النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام دلت على العموم)
النكرة هي ما يصدق على الكثير والقليل، هي ما شاع في جنسه بلا تعيين، هـٰذه هي النكرة، ما شاع في الجنس بغير تعيين، فيصدق على العدد الكثير والقليل، بخلاف المعرفة؛ فإن المعرفة لا تصدق إلا على عدد يسير؛ عدد قليل إما واحد أو أكثر لكنه قليل. النكرة إذا وردت في سياق النفي، أو النهي هـٰذا ثانٍ، أو الشرط هـٰذا ثالث، أو الاستفهام هـٰذا رابع، دلت على العموم؛ يعني أفادت عموم المعنى فيما سيقت له: نفياً أو نهياً أو استفهاماً أو شرطاً، ويتبيَّن هـٰذا إن شاء الله تعالىٰ بالأمثلة التي ساقها المؤلف رحمه الله. (كقوله تعالىٰ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾( ) فإنّه نهي عن الشرك به في النيات، والأقوال والأفعال، وعن الشِّرك الأكبر والأصغر، والخفي والجلي. فلا يجعل العبد لله ندّاً ومشاركاً في شيء من ذلك) .طيب هـٰذا مثال لأي شيء؟ لمجيء النكرة في سياق النهي، أين النكرة؟ قوله: (شَيْئاً) هـٰذه نكرة تصْدُق على القليل والكثير؛ لكن لما جاءت في سياق النهي أفادت النهي عن كل ما يصدق عليه أنه شرك، ولذلك قال المؤلف: (فإنها) يعني هـٰذه الآية (نهي عن الشرك به في النيات) يعني المقاصد، (والأقوال) مثل الحلف بغير الله، ومثل ما شاء الله وشئت، (والأفعال) كالذبح لغير الله، والنذر لغير الله وما إلىٰ ذلك، (وعن الشرك الأكبر) كالذبح لغير الله، (والأصغر) كيسير الرياء، (والخفي) كالرياء أيضاً، (والجلي) الظاهر. فهـٰذه الآية تنتظم جميع الشرك وتنهى عنه، فأفادت النكرة في سياق النهي نهياً عن شرك معين أو عن كل شرك؟ عن كل شرك. وهـٰذا المقصود من هـٰذه القاعدة، فالنكرة لما وقعت في سياق النهي أفادت العموم في المعنى، واضح. (ونظيرها: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً﴾. وقوله في وصف يوم القيامة: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً﴾، ( ) ليعم كل نفس، وأنها لا تملك شيئاً من الأشياء، لـ( )إيصال شيء من المنافع، ولا دفع شيء من المضار) . هـٰذا نفي أو نهي؟ نفي، أين النكرة؟ ﴿نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً﴾ ثلاث نكرات عندنا ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ﴾ أيّ نفس، ﴿لِنَفْسٍ﴾ أيّ نفس، ﴿شَيْئاً﴾ يعني أيّ شيء، فلا يمكن أن ينفع أحدٌ أحداً يوم القيامة إلا بما قدّره الله ورضيه وقضاه، وهـٰذا يقطع كل العلائق، وأنّ الإنسان لا يعلِّق قلبه إلا بالله عز وجل؛ لأنّه إذا كان لا ينفع في ذلك اليوم إلا هو جل وعلا، فلا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو، لم يجُز للعبد أن يعلق قلب بغيره جل وعلا. (وكقوله تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ﴾،( ) فكل ضر قدره الله على العبد ليس في استطاعة أحد من الخلق كائناً من كان كشفه بوجه من الوجوه.
ونهاية ما يقدر عليه المخلوق من الأسباب والأدوية: إنما هو جزء من أجزاء كثيرة داخلة في قضاء الله وقدره. وقوله: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾،( ) وقوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾( ) يشمل كل خير في العبد ويصيب العبد، وكل نعمة فيها حصول محبوب، أو دفع مكروه، فإن الله هو المتفرد بذلك وحده) . الآيتان السابقتان واضح وجه الدلالة فيها على القاعدة، أو وجه التمثيل؟ الآية الأولى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ هنا أين النكرة؟ قوله: ﴿بِضُرٍّ﴾ هـٰذه نكرة وهي في سياق الشرط في قوله: ﴿وَإِن﴾ إن شرطية، و ﴿يَمْسَسْكَ﴾ فعل الشرط، ﴿بِضُرٍّ﴾ هـٰذه جاءت في سياق الشرط فأفادت أي شيء؟ العموم؛ عموم أي ضر مما يقدره الله؛ أي ضر يصيبك فهو بتقدير الله عز وجل ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ أيضاً فيه شاهد آخر في قوله: ﴿فَلاَ كَاشِفَ﴾ كاشف نكرة في سياق النفي فتعم، وكذلك في قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾. قوله تعالىٰ: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ النكرة قوله: ﴿رَّحْمَةٍ﴾ وهي في سياق الشرط فإن ما شرطية ﴿فَلا مُمْسِكَ﴾ هـٰذا نفي وهي كالتي قبلها. نعم (وقوله: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾،( ) وإذا دخلت[من] صارت نصّاً في العموم كهذه الآية: ﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾( ) وقوله ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ﴾،( ) ولها أمثلة كثيرة جدّاً) .مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (صارت نصّاً في العموم) أي لا تقبل الاحتمال؛ لأن دلالة صيغ العموم عليه نوعان : دلالة نص ودلالة ظاهر. دلالة النص هي: ما لا يقبل الاحتمال. ودلالة الظاهر هي: ما يحتمل العموم ويحتمل الخصوص. فإذا دخلت مِن على الكلام على النكرة وهي في سياق نفي أو شرط أو استفهام أو نهي أفادت أي شيء؟ أفادت العموم وهي نص فيه؛ يعني لا تقبل الاحتمال فتصدق على القليل والكثير، هـٰذا معنى قوله رحمه الله: (صارت نصّاً في العموم). فمثلاً: ما عندي رجل، (ما) نافية أليس كذلك؟ و(رجل) نكرة في سياق النفي أليس كذلك؟ تفيد العموم. طيب هل العموم هنا ظاهر أو نص؟ ظاهر، لماذا؟ لأنه يحتمل أن أقول: بل رجلان. أليس كذلك؟ ألا يحتمل أن يكمل الجملة ويقول: ما عندي رجل بل رجلان، أو: بل رجال، فصار العموم هنا ظاهراً أو نصّاً؟ ظاهراً؛ لأنه يحتمل العموم ويحتمل الخصوص. لكن إذا قلت: ما عندي من رجل. هل هـٰذه نص أو ظاهر؟ نص؛ لأنه لا يسوغ في اللغة العربية أن تقول: ما عندي من رجل. ثم تقول: بل رجلان. وهـٰذا الفرق بين الظاهر والنص.
( ) سورة : النساء (36). ( ) سورة : البقرة (22). ( ) سورة : الانفطار (19). ( ) في نسخة: لأي نفس أخرى، مهما كانت الصلة، لا. ( ) سورة : يونس (107). ( ) سورة : فاطر (2). ( ) سورة : النحل (53).
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:49 pm
المقرر: أن المفرد المضاف يفيد العموم كما يفيد ذلك اسم الجمع)الاسم المفرد ضد الجمع، وهو ما لا يدل إلا على واحد؛ ولكن قيده قال: (المفرد المضاف) يعني إلى غيره (يفيد العموم) يعني في السياق الذي ورد فيه، وسيأتي له أمثلة على ذلك. (فكما أن قوله تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾( ) إلى آخرها يشمل كل أم انتسبت إليها، وإن علت. وكل بنت انتسبت إليك وإن نزلت -إلى آخر المذكورات- فكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾( ) فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية). النعمة اسم مفرد أو جمع ؟ مفرد، مضاف؟ الآن هو في هـٰذا السياق مضاف أو ليس مضافاً؟ مضاف إلىٰ ﴿رَبِّكَ﴾ هل أفاد العموم؟ نعم، ولذلك: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ قال المؤلف رحمه الله: (فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية). يعني كل نعمة ينعم الله بها عليك فهي صادقة أو مندرجة في هـٰذه الآية، فتدخل في قوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فتحدث بنعمة الله عليك في دينك وبنعمة الله عليك في دنياك. نعم. ﴿أُمَّهَاتُكُمْ﴾ اسم جمع فأفادت العموم، ألم يقل: (المفرد المضاف يفيد العموم) ثم نظّر هـٰذا باسم الجمع قال: (كما يفيد ذلك اسم الجمع)؟ فأعطانا أول مثال لاسم الجمع الذي قيس عليه، ثم رجع إلىٰ القاعدة المقصودة، وهي أن المفرد المضاف يفيد العموم، واضح؟
(وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾( ) فإنها تعم الصلوات كلها، والأنساك كلها، وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته، الجميع قد( ) أوقعته وأخلصته لله وحده، لا شريك له. وقوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾( ) على أحد القولين: إنه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج: اتخذوه معبداً. وأصْرَح من هذا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾،( ) وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد والإخلاص لله تعالى، والقيام بحق العبودية. وأعم من ذلك وأشمل: قوله تعالىٰ لما ذكر الأنبياء: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾( ) فأمره الله أن يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى، الذي هو العلوم النافعة والأخلاق الزاكية، والأعمال الصالحة، والهدى المستقيم. وهذه الآية أحد الأدلة على الأصل المعروف: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وشرع الأنبياء السابقين هو هداهم في أصول الدين وفروعه، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾،( ) وهذا يعمّ جميع ما شرعه لعباده، فعلاً وتركاً، اعتقاداً وانقياداً، وأضافه إلى نفسه في هذه الآية لكونه هو الذي نصبه لعباده، كما أضافه إلى الذين أنعم عليهم في قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾( ) لكونهم هم السالكين له. فصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين( )من العلوم والأخلاق والأوصاف والأعمال. وكذلك قوله: ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾( ) يدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة والباطنة، والعبادات الاعتقادية والعملية) . هذا عطف بيان، من الصفة الكاشفة: العبادات الاعتقادية ترجع إلىٰ الباطنة، والعبادات العملية ترجع إلىٰ الظاهرة. فالعبادات الباطنة هي ما يقوم بالقلب من الخوف والخشية والإنابة والتوكل وغير ذلك. وأما العملية فهي الظاهرة وأصلها أركان الإسلام. (كما أن وصف الله لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعبودية المضافة إلى الله كقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾( ) وكقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾( ) وقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾( ) تدل على أنه وفَّى جميع مقامات العبودية، حيث نال أشرف المقامات بتوفيته لجميع مقامات العبودية، وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾( ) فكلما كان العبد أقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتم، وما نقص منها نقَص من الكفاية بحسبه. وقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾،( ) ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾( ) يشمل جميع أوامره القدرية الكونية. وهذا في القرآن شيء كثير) . هـٰذه القاعدة الخامسة وهي قاعدة واضحة سهلة مفيدة، وقد ذكر المؤلف رحمه الله لها من الأمثلة ما يوضحها توضيحاً لا مزيد عليه.
القواعد التي مضت من القاعدة الثانية إلى القاعدة الخامسة هي قواعد أصولية من حيث الأصل، استعملها العلماء رحمهم الله في آيات الكتاب وفي أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يعني في النصوص.
وأما القاعدة السادسة وما بعدها من القواعد، فهي القسم الثاني مما تضمنه هـٰذا الكتاب وهي القواعد القرآنية، يعني القواعد التي تبين طريقة القرآن في معالجة بعض الأمور، فهي ليست قواعد أصولية كالسابقة، إنما هي قواعد قرآنية تبين منهج القرآن في معالجة بعض القضايا والأمور.
( ) سورة : النساء (23). ( ) سورة : الضحى (11). ( ) سورة : الأنعام (162). ( ) في نسخة: من الله فضلاً وإحساناً، وأنك قد أتيت ما أتيت منه . ( ) سورة : البقرة (125). ( ) سورة : النحل (123). ( ) سورة : الأنعام (90). ( ) سورة : الأنعام (153). ( ) سورة : الفاتحة (7) 0 ( ) في نسخة: ما اتصفوا به. ( ) سورة : الكهف (110). ( ) سورة : الإسراء (1). ( ) سورة : البقرة (23). ( ) سورة : الفرقان (1). ( ) سورة : الزمر (36). ( ) سورة : القمر (50). ( ) سورة : النحل (40).
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:50 pm
في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضدهيكاد القرآن أن يكون كله لتقرير التوحيد ونفي ضده).
مراده بالتوحيد في هـٰذه القاعدة جميع أنواع التوحيد: • توحيد الإلهية وهو بالدرجة الأولى. • وتوحيد الأسماء والصفات. • وتوحيد الربوبية. (وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الألوهية، وإخلاص العبادة لله وحده، لا شريك له، ويخبر أن جميع الرسل( ) تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل( ) اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يَدِنْ بهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾،( ) ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾( )).هذه لآية خطاب لمن في قوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾؟ هذه خطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن قبله من الأنبياء، فهل يتصور الشرك من الأنبياء؟ هل يمكن أن يقع الشرك من الأنبياء؟ لا، إذاً لماذا خوطبوا بهذا الخطاب؟ خوطبوا بهذا لبيان مراتب الأعمال.
ليس المقصود احتمال وقوع ذلك منهم، فهم معصومون من كبائر الذنوب فضلاً عن الشرك، وإنما جاء هذا الخطاب ليبين لنا مرتبة الشرك وخطورته، فمثل هذه النصوص تبين لنا مرتبة العمل ومنزلته، وليس المقصود أن ذلك يمكن ذلك أن يقع منهم. وكذلك: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾ عائد على الأنبياء المذكورين في سورة الأنعام ﴿لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن الله المنفرد بالخلق والتدبير والمنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة هو الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولا ينبغي أن يكون شيء منها لغيره، وأن سائر الخلق ليس عندهم أي قدرة على خلق، ولا نفع، ولا دفع ضر عن أنفسهم، فضلاً عن أن يغنوا عن أحد غيرهم من الله شيئاً. ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يَتَمَدَّح به، ويُثني على نفسه الكريمة، من تفرده بصفات العظمة والمجد، والجلال والكمال، وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك: أحق من أُخلصت له الأعمال الظاهرة والباطنة. ويقرر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده، فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاءً: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ( ) ) .أين القدر؟ قال: (فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء) ولم يذكر القدر، لم يذكره المؤلف رحمه الله، وسبب عدم ذكره أنه لا خصومة بين الأنبياء وأقوامهم في الحكم القدري، فهم مقرون بأنه لا يحكم قدراً إلا الله جل وعلا، وإنما خلافهم في الحكم الشرعي، فهم عبدوا الأصنام من دون الله عز وجل ورجعوا إليها وتركوا عبادة الله وحده، ولذلك احتاج إلىٰ أن ينص على الشرع والجزاء دون القدر. (وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً وعقلاً وفطرة، على جميع العبيد، وبذكر مساوئ الشرك وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم( ) في شك وأمر مريج) . كم طريقاً ذكر لتقرير التوحيد؟ إلىٰ الآن ثلاثة طرق: الطريق الأول: تقرير توحيد الربوبية في قوله رحمه الله: (ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن المتفرد بالخلق والتدبير) إلىٰ آخره، هـٰذا استدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، هـٰذا الطريق الأول، وهو الطريق الأكثر في كتاب الله عز وجل في مناقشة المشركين والكفار. الطريق الثاني: ذكر صفات الكمال والجلال وما اتصف به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من العظمة والمجد، فإذا كان كاملاً في صفاته فلا يسوغ ولا يجوز أن يسوى به غيره، هـٰذا الطريق الثاني، وهو الاستدلال بكمال الصفات على وجوب الإخلاص لله عز وجل في العبادة.
الطريق الثالث: ذكر محاسن التوحيد والثناء على أهله، وبيان حسن عاقبة من أخذ به وعمل. إذاً هـٰذه ثلاثة طرق. الطريق الرابع: (وتارة يدعو إليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتّب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقبهم أسوأ العواقب وشرها. وبالجملة: فكل خير عاجل وآجل فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شر عاجل وآجل فإنه من ثمرات الشرك والله أعلم) . إذاً الطريق الرابع: بيان عاقبة الموحدين وعاقبة المشركين، وبيان العاقبة يحث هـٰذا الإنسان على سلوك أحد الطريقين.
( ) في نسخة: إنما أرسلت. ( ) في نسخة: بل الفطر والعقول السليمة كلها. ( ) سورة : الزمر (65). ( ) سورة : الأنعام (88). ( ) سورة : يوسف (40). ( ) في نسخة: أضل من الأنعام سبيلاً.
m.sobhy
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله السبت فبراير 06, 2010 4:51 pm
في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذا الأصل الكبير قرّره الله في كتابه بالطرق المتنوعة التي يُعرف بها كمال صدقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأخبر أنه صدّق المرسلين، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأنّ جميع المحاسن التي في الأنبياء هي في نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما نُزِّهوا عنه من النقائص والعيوب، فرسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاهم وأحقهم بهذا التنزيه، وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مهيمن على كل الكتب. فجميع محاسن الأديان والكتب قد جمعها هذا الكتاب وهذا الدين، وفاق عليها بمحاسن وأوصاف لم توجد في غيره. وقرر نبوته بأنه أميّ لا يكتب ولا يقرأ، ولا جالس أحداً من أهل العلم بالكتب السّـابقة، بل لم يفْجَـأ الناس إلا وقد جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أَتوا ولا قَدِروا، ولا هو في استطاعتهم ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأنّه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو متقول أو متوهم فيما جاء به.( ) وأعاد القرآن وأبدى في هذا النوع. وقرّر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطولة على الوجه الواقع، الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يخبر تعالى أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الهو من الوحي، كمثل قوله تعالىٰ لما ذكر قصة موسى مطولة: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾.( ) وقوله: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾( ) وكما في قوله: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾.( ) ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾،( ) فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها تفصيلاً، لم يتمكن أهل الكتاب الذين في وقته ولا من بعدهم على تكذيبه فيها ولا معارضته من أكبر الأدلة( )على أنه رسول الله حقّاً) . واضح أن إخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهـٰذه الأخبار التي جاءت مفصّلة دون مجالسة لأهل الكتاب وتلقٍّ عنهم، ودون التمكن من القراءة والكتابة لأنه أمي، يدل على أنه وحي يوحى، أنه إنما تلقاه عن الوحي، ولذلك لما كانت هـٰذه الأخبار مفصلة ودقيقة جاء بهذا التعبير: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾، ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾، ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ﴾؛ يعني أنه لا يأتي بهذا الخبر الدقيق المفصل إلا من كان شاهداً حاضراً، أو من يخبر عمن شهد وعلم وهو الله جل وعلا. هـٰذه هي الطريق الأولى من طرق إثبات نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب الله عز وجل. (وتارة) هـٰذا الطريق الثاني: (وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله، وتمام قدرته، وأن تأييده لرسوله ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض موافق غاية الموافقة لحكمة الله،( ) وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله وفي قدرته، وفي رحمته، بل وفي ربوبيته. وكذلك نصره وتأييده الباهر لهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأملين) . يعني أن هـٰذا الأمر لا يظهر لكل أحد، إنما يظهر بالتأمل، فكيف يجوز على الحكيم الخبير الرّحيم الرؤوف بعباده أن يأتي رجلٌ يخبر بالأخبار ويدعي بأنه رسول الله، ثم تتوالى عليه الانتصارات والإمدادات، ويموت منتصراً وقد ظهرت دعوته؟ كيف يكون هـٰذا متفقاً مع اتصاف الله عز وجل بالعلم والخبرة والحكمة والرحمة جل وعلا وغير ذلك من الصفات؟ إنّ هـٰذا لا يتفق؛ فدل ذلك لما تمكّن وانتصر وظهر على خصومه وأعدائه، دلّ ذلك على صدق نبوته، وهـٰذا الانتصار ليس انتصاراً مؤقتاً؛ لأنّ الدجال الذي يأتي بين يدي الساعة ينتصر انتصارات؛ لكنها انتصارات مؤقتة، ثمّ يضمحل ويتبين أمره ويكون آخر أمره أن يذوب كما يذوب الملح كما في صحيح مسلم،( ) فعاقبة أمره إلىٰ خسر؛ لكن انتصارات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتصارات ثابتة دائمة مستمرة إلى قيام الساعة، فهـٰذا مما يدل على صدقه، وقد أشار إلىٰ هـٰذا المعنى قول الله تعالىٰ: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)﴾ ( ). وهـٰذا تهديد عظيم من ربّ العالمين، في تَقَوُّل قول، فكيف برسالة تامة وشريعة كاملة؟ هـٰذا من دلائل صدق نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن هـٰذا لا يظهر لكل أحد، إنما يظهر بالتأمل والنظر.نعم الطريق الثالث: (وتارة يقرر نبوته ورسالته بما جمع له وحازه وكمله به من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأنّ كل خلق عال سام فلرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلاه وأكمله. فمن عظمت صفاته، وفاقت نعوته جميع الخلق التي أعلاها:الصدق والأمانة، أليس هذا أكبرَ الأدلة على أنه رسول ربّ العالمين، والمصطفى المختار من الخلق أجمعين؟) بلى والله، كما قالت عائشة: لو كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخفياً شيئاً من كتاب الله لأخفى: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾( ). وهـٰذا دليل على كمال تبليغه، أنه بَلَّغ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ما عاتبه الله فيه. (وتارة يقررها بما هو موجود في كتب الأولين، وبِشارات الأنبياء والمرسلين السابقين، إما باسمه العلم أو بأوصافه الجليلة، وأوصـاف أمته وأوصـاف دينـه، كما في قوله تعالىٰ: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ( )). معنى هـٰذا الكلام أن من الأمور التي أخبرت بها الشرائع مما يتعلق باسمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته تبينت، فاسمه جاء ذكره في الشرائع السابقة وطابق الاسم الذي كان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذلك الكثير من الأوصاف التي جاء وصفه بها في الكتب السابقة وُجدت فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولذلك كان بعض أهل الكتاب إذا أراد أن يُسْلم يبحث عن هـٰذه الصفات، فإذا وجدها انقاد لمقتضاها من التصديق بنبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم(وتارة يقرر رسالته بما أخبر به من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة، التي وقعت في زمانه، أو وقعت في زمانه ولا تزال تقع في كل وقت، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا كان له ولا لغيره طريق إلى العلم به) . لأنه لا سبيل إلىٰ معرفة هـٰذه الغيوب إلا ممن هي في يده، وهو الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة، وبهذا يكون قد تم الوجه. ثم قال: (وتارة يقرِّرها بحفظه إياه) هـٰذا وجه جديد. (وتارة يقررها بحفظه إياه، وعصمته له من الخلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم عليه، وجِدِّهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم، والله يعصمه ويمنعه منهم وينصره عليهم، وما ذاك إلا لأنه رسوله حقّاً، وأمينه على وحيه، والمبلغ ما أمر به. وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به وهو القرآن الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾( ) ويتحدى أعداءه، ومن كفر به أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة، فعجزوا ونكصوا وباؤوا بالخيبة والفشل،( ) وهذا القرآن أكبرُ أدلة رسالته وأجلُّها وأعمُّها ( )).
لا ريب أن القرآن أعظم آيات الأنبياء، وليس فقط أعظم آيات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل جميع الأنبياء على ما أتوا به من الآيات واختلافها وتنوعها أعظم آياتهم هـٰذا الكتاب المبين؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما من نبيِّ من الأنبياء إلا وأوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً)) ( ). فدل ذلك على أن أعظم آيات الأنبياء هي آية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه رجا بهذه الآية أن يكون أكثرهم تابعاً، وكثرة الأتباع إنما تكون ناشئة عن عظم الآية التي رأوها وأتي إليهم بها، وآية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـٰذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو آية مستمرة، بخلاف سائر آيات الأنبياء فإنها آيات مؤقتة وفي مكان محدد، فهي محدودة في المكان والزمان، أما القرآن فهو آية على مرّ العصور وعلى اختلاف الأزمان وعلى اختلاف الأماكن أيضاً، فهو آية عظيمة مستمرة باهرة، ولذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الأنبياء تابعاً، ولكنها آية لمن تأمل فيها ونظر وتدبر ما تضمنه من الآيات والبينات الواضحات على صدق ما جاء فيه، وعلى صدق نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم (وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدالِّ كل واحد منها بمفرده -فكيف إذا اجتمعت- على أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصادق المصدوق، الذي ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) . المؤلف رحمه الله جعل المعجزات والخوارق والكرامات كلها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والذي جرى عليه أهل العلم أنّ الكرامات تكون لأتباع الرسل، وأن المعجزات وهي الآيات والبراهين الدّالة على صدقهم تكون للأنبياء، ويجمع الأمرين أنهما خارقان للعادة. فالجامع بين الآية أي المعجزة وبين الكرامة أن كلاًّ منهما خارقة للعادة؛ لكن الفارق بينهما: أن الآية تكون على يد نبي. والكرامة تكون على يد تابع لنبي. ثم إنه في الغالب أن الآية أعظم تأثيراً وأكبر أثراً من الكرامة، وهـٰذا فارق آخر بين الآية والكرامة. لكن المؤلف رحمه الله جعل المعجزات والكرامات كلها للنبي. واعلم أنّ هـٰذا الكلام لا إشكال فيه؛ لأن كل كرامة لتابع فهي آية للنبي؛ يعني ما يجريه الله عز وجل من الكرامات لأتباع الرّسل هي في الحقيقة آيات دالة على صدق من اتبعوهم، على صدق الرسل الذين آمنوا بهم، فهي عائدة إلىٰ تصديقهم بالرسل، وهي دالة على صدق ما جاؤوا به. نعم (وتارة يقررها بعظيم شفقته على الخلق، وحُنوِّه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه لم يوجد ولن يوجد أحد من الخلق أعظم شفقة ولا براًّ وإحساناً إلى الخلق منه، وآثار ذلك ظاهرة للناظرين) . لا إشكال، من تأمل سيرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى صدق ذلك، فقد أوذي أشد الأذى، وامتحن أشد الامتحان، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقابل ذلك كله بالإحسان إلىٰ خصومه والشفقة عليهم والسعي في إخراجهم من الظلمات إلىٰ النور. نعم (فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه، وقررها بعبارات متنوعة، ومعانٍ مفصلة وأساليب عجيبة، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء. والله أعلم) . إذاً هـٰذه هي القاعدة السابعة، وهي قاعدة قرآنية في بيان طريقة القرآن في تقرير نبوة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
( ) في نسخة: أو أن يكون قد تقوَّله على ربه، أو أن يكون على الغيب ظنيناً. ( ) سورة : القصص (44). ( ) سورة : القصص (46). ( ) سورة : آل عمران (44). ( ) سورة يوسف (102). ( ) في نسخة: صحح به أكثر الأخبار والحوادث التي كانت في كتب أهل الكتاب محرفة ومشوهة بما أضافوا إليها من خرافات وأساطير، حتى ما يتعلق منها بعيسى وأمه وولادتهما ونشأتهما، وبموسى وولادته ونشأته، كل ذلك وغيره لم يكن يعرفه أهل الكتاب على حقيقته حتى جاء القرآن، فقص ذلك على ما وقع وحصل، مما أدهش أهل الكتاب وغيرهم، وأخرس ألسنتهم حتى لم يقدر أحد منهم ممن كان في وقته، ولا ممن كانوا بعد ذلك، أن يكذبوا بشيء منها، فكان ذلك. ( ) في نسخة: هو مقتضى حكمةِ ورحمةِ العزيز الحكيم. ( ) مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسىٰ ابن مريم، حديث رقم (2897). ( ) سورة : الحاقة (44-46). ( ) سورة : الأحزاب (37). ( ) سورة : الصف (6). ( ) سورة : فصلت (42). ( ) في نسخة: وهم أهل اللسان المُبـَرِّزون في ميدان القـول والفصـاحة، ومع ذلك ما استطاعوا -مع شدة حرصهم ومحاولتِهم- أن يأتوا بسورة منه، وما استطاعوا ولا قدروا -مع شدة حرصهم ومحاولتِهم- أن يجدوا فيه نقصاً أو عيباً ينزل به عن أعلى درجات الفصاحة التي ملكت أزمة قلوبهم، فلجؤوا إلى السيف وإراقة دمائهم، وما كانوا يعمدون إلى هذا لولا أنهم لم يجدوا سبيلاً إلى محاربته بالقول، وما كانوا يزعمونه عندهم علوماً وحكماً، فكان عدولهم إلى السيف وإراقة الدماء أكبر الأدلة على صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وأقطع البراهين على أنه الحق والهدى من عند الله الذي جمع الله فيه لرسوله وللمؤمنين به كل ما يكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة في كل شؤونهم. وإن هذا القرآن لأكبرُ. ( ) في نسخة: والله تعالى يقرر أن القرآن كاف جدّاً أن يكون هو الدليل الوحيد على صدق رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواضع عدة، منها قوله: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[العنكبوت:51]. ( ) البخاري: كتاب الفضائل، باب كيف نزل الوحي؟ وأول ما نزل، حديث رقم (4981). مسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جميع الناس، حديث رقم (152).
M E K O المـديـر العـــام
تاريخ التسجيل : 08/12/2009 المزاج : رايق
موضوع: رد: شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله الإثنين فبراير 08, 2010 4:41 pm
جزاك الله كل خير
شرح القواعد الحسان للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله